قراءة في صفحات دفتر المناقصات الدولية، الاقليمية والوطنية..!

بقلم العميد منذر الايوبي*

يبدو ان مرجل الاقليم بدأ يزداد سخونة على ما تؤشر جملة معطيات تنبئ بصيف حار لا بل تؤكِده سواء بالإستقراء او الاستنباط:
1-ان ايران شارفت الوصول الى الحافة النووية التي اسمتها الولايات المتحدة “حافة الهاوية”، حيث تجاوز مخزون اليورانيوم المخصب “3700” كيلوغرام (الحد المسموح به وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية “203” كغ).. ودون الدخول في التفاصيل التقنية، -المعادلة المختصرة: 42 kg من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%- يكفي لانتاج القنبلة النووية. بالتالي فإن القنبلة « الشيعية » الاولى لن تتأخر كثيرا، وربما تحوزها طهران قبل نهاية العام.. كما ستكون Bunker Buster “ام القنابل” الاميركية المصممة لتدمير التحصينات تحت الارض، عاجزة عن الوصول الى شبكة الانفاق الضخمة لمنشأة Natanz النووية..! اما رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت القابض على جمر انتظار نتائج مفاوضات جنيف فأعلن: “انها باتت تقترب بشكل خطير من انهاء برنامجها النووي الخاص” مشيرا “الى انها قد تتمكن قريبا من امتلاك قنبلتها النووية ما لم يقف الغرب في وجه طهران”..!

2- ان موسكو تواصل العمل على اجندتها الجيو-ستراتيجية في مجمل المسرح الاسيو-اوروبي دون ارتباك، مسقطة بالضربة القاضية احادية القطب الاميركي في حكم الكوكب، مفسحة المجال لكل من الصين واوروبا بتبوأ موقعهما في عالم القطبية الجديد.. ورغم كل ما يحكى عن الدعم الغربي الاطلسي عسكريآ لدولة اوكرانيا، فإن الكمية مضبوطة حتمآ على مستوى التسليح، والنوعية معتلمة محددة في الفعالية والمدى.. تاليآ، ان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين في الشرق والشمال الاوكراني اصبحتا بشكل كامل تحت راية العلم الروسي، بالتزامن مع حصار الموانيء البحرية جنوبآ على شواطيء بحر آزوف والبحر الاسود، باستثناء مدينة اوديسا التي تتعرض على نحو منهجي لقصف مدفعي وصاروخي روسي مع تريث في بدء عملية هجومية برية حتى الان ضمن استراتيجية ادارة القوى لَحظُ فهم واستيعاب حجم الكتلة الدفاعية الاوديسية المحصنة وقدراتها المتاحة ..!


في المتوقع القريب فإن خريف العام الحالي سيشهد بدء مفاوضات انهاء العملية العسكرية الروسية ووضع خارطة الحلول المرحلية، بالتوازي مع اطلاق مشروع اعادة الاعمار التي سيتبناها الاتحاد الاوروبي بعد ضم اوكرانيا اليه على ما يُحَضَر.. هذا المرتقب يشكل حاليآ محفزآ للألوية المدرعة الروسية وبدعم ناري كثيف من سلاح المدفعية البعيدة المدى متابعة عملياتها في الاطباق على الاهداف الهامة “مراكز تخزين السلاح الغربي، القواعد اللوجستية الخ..” مع مواصلة القضم الجغرافي التدريجي تاركة للأفواج المؤللة الخفيفة مهمة التنظيف واحكام القبضة على الشرق الاوكراني..! ومن منطلقات الميدان سجل اعتراف الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي “ان القوات الروسية باتت تسيطر على نحو خُمس أراضي البلاد بما في ذلك شبه جزيرة القرم والأراضي الخاضعة لسيطرة الانفصاليين الموالين لموسكو”..!

3-ان القيادة العسكرية الصينية في المقلب الآخر انهت تحضيراتها لغزو تايوان التي تعتبرها جزءآ لا يتجزأ من اراضيها؛ في حين تبقى العملية العسكرية رهن التوقيت المناسب واللحظة الحرجة.. اما التهويل الاميركي بنصب صواريخ نووية على اراضي الجزيرة فسيكون بالنسبة ل بكين دافعآ لحرب خاطفة وليس رادعآ للضبط او الانكفاء..! كما سجل اعلان وزير الدفاع الصيني Wei Fenghe – ان العلاقة مع ⁧‫واشنطن‬⁩ تمر بمرحلة حرجة للغاية ونحن على أستعداد وجاهزية عالية للدفاع عن أمننا القومي من أي تهديد خارجي-.. بين تحذير ووعيد مضاد اعلن الرئيس الاميركي . (ان بلاده لن تتردد بمهاجمة الصين في حال اعتدائها على تايوان)، فكان الرد مزدوجآ اذ أكد المتحدث باسم الخارجية الصينية أنّ “تايوان شأن داخلي صيني. ولا يسمح لأي قوى خارجية بالتدخل فيها”. كما وجهت رسالة صارمة بداية الشهر الحالي، بتزويد القوات البحرية حاملة الطائرات الثالثة “فوجيان” المتطورة تجهيزآ وقدرة..!

4-ان المربع السوري- التركي- العراقي- الاسرائيلي يشهد حوارآ بالنار على مسرح الاول وفق القدرة والضرورة، بما يتواءم مع المصالح الجيوسياسية لكل ضلع منه..! اذ تبقى الدولة الكردية حلم ليلة صيف غير مسموح انشاءها، بالتوازي فإن العملية العسكرية التركية لاستكمال الحزام الامني على طول الحدود السورية بعمق 30 km قاربت الساعة الصفر رغم تحفظات جدية من واشنطن.. كما من المحظور اسرائيليآ تمدد الحرس الثوري الايراني في سوريا او بقائه بمنأى عن ضرباتها الجوية المتفلتة من خطوط حمراء سبق فرضها لا بل تم تجاوزها والغارة على مطار دمشق الدولي وتعطيل الحركة الجوية مؤخرآ في خانة المؤشر لمرحلة جديدة مختلفة من الصراع..! ايضآ ان الجماعات الجهادية الارهابية من داعش واخواتها ستبقى هدفا استراتيجيا للقوات العراقية وستتصيد أمرائها وحدة SEAL الاميركية الضاربة..!
اما الكرملين فيواصل بهدوء تحريك البيادق ضمن مربع الشطرنج الشرق اوسطي، دون رغبة في اسقاط القلعة او “كش ملك”، طالما ان التنافس او الصراع باقٍ في الحيز المقبول المكشوف والمتناسب مع المعطيات والظروف بما يخدم الجيوسياسية الروسية ويؤمن الحفاظ على الستاتيكو القائم، مع قدرة ضامنة معالجة المتغيرات والمستجدات عند الاقتضاء..!

5-في الشكل والمضمون؛ بعد ازمة الغذاء المستجدة عالميآ نتيجة العملية العسكرية الروسية على اوكرانيا وفي ظل التضخم المتزايد والارتفاع غير المسبوق في اسعار الوقود والسلع، اضافة الى محاولات حثيثة للبحث عن بدائل الغاز الروسي المغذي دول اوروبا، فان زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن منتصف شهر تموز القادم المملكة العربية السعودية للقاء خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامير محمد بن سلمان، تجاوز ممض لاتهاماته السابقة المملكة بإنتهاك حقوق الانسان واغتيال الصحافي جمال الخاشقجي°، مطلبآ يقارب الالتماس من صاحبة الانتاج النفطي الاكبر لإقناعها بزيادة الانتاج، اما النتيجة المتوقعة فتحفظ سعودي يؤمن هامش المناورة باستخدام غطاء منظمة OPEC، الا اذا دفع الثمن هذه المرة الاقوى، خطوة عكسية لما قاله وطالب به بسخرية مبطنة الرئيس الاسبق دونالد ترامب يومآ..!
كما ستتضمن الزيارة قمة في مدينة جدة تجمع بايدن بقادة دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الأردن ومصر والعراق..! في هذا السياق لم تتأخر فاثخنت سهام النقد مواقف التنازل سواء من ديبلوماسيين اميركيين سابقين (ألبيرتو ميغيل فيرنانديز الخ..) كما محللي شبكات الاخبار العالمية؛ علمآ ان جدول الرحله الشرق اوسطية لن يهمل زيارة الولاية 53 ولقاء قادتها..
6-بالمقابل؛ سيستبق ولي العهد السعودي زيارة الرئيس الاميركي بلاده بجولة اقليمية مصغره تقوده الى مصر والاردن وتركيا الاسبوع القادم؛ في اهدافها: *تعزيز التعاون ودفع العلاقات السعودية- التركية “الى مستويات اعلى بكثير”.. *ترطيب العلاقات السعودية-الاردنية بعد كشف العاهل الاردني عبدالله بن الحسين الهاشمي تورطآ سعوديآ فيما عرف (بقضية الفتنة) ومحاولة تقويض نظام الحكم السياسي في البلاد، إثر ثبوت تورط باسم (عوض الله) مستشار الديوان الملكي الأردني السابق وهو ايضآ مستشار رفيع المستوى في المملكة السعودية.. *تعزيز العلاقات مع الدولة المصرية لا سيما “مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ومواضيع التعاون المشترك”..! كما سجل صباح اليوم عقد قمة مصرية اردنية بحرانية في مدينة شرم الشيخ تقدم اولوياتها التعاون الامني وتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الارهاب وضرب اوكاره وتحييد خلاياه..!

7-رغم ان الجولات الخمس للمباحثات الايرانية- السعودية في العاصمة العراقية بغداد لم تؤدِ حتى الآن الى نتائج ملموسة تنهي القطيعة الممتدة منذ عام 2016، وبالتالي التوصل إلى تفاهمات حول الخلافات القائمة في عدة ملفات أبرزها: حرب اليمن، البرنامج النووي، تطوير منظومات الصواريخ  الباليستية، امتداد الاذرع الايرانية في الاقليم وتقويتها “حزب الله، انصار الله الخ..”، الا ان نهجآ تسوويآ اقليميآ بدأ يلاحظ ويطغى على السياسة السعودية مع تلقف ايراني يقارب الترحيب؛ و روتشة حذرة فيما يتعلق بتقارب مفترض مع العدو الاسرائيلي..!

8-ان قضية ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة ومنع السطو على الثروة اللبنانية الغازية لا تزال في حال من المد والجزر، زوربة بين الحقول المعتلمة “كاريش، قانا،الخ..” والخطوط المطاطة: “1-23- هوف- 29 بانتظار تسوية ربما على مقياس خط مستحدث 26″.. انها مسخرة ضياع مزمن مَرُ عقد من زمن فشل تحديد استراتيجية تفاوضية، توازٍ مع عشوائية ومماطلة؛ نتاج غباء ومفاضلة مصلحية على حساب الوطنية، او ارتهان خارجي ارادي محسوب الخطوات، حدد مسبقآ حجم الصفقة سواء عبر تهديد بفرض عقوبات اقسى واشمل، ام بالترغيب على مستوى توزيع مغانم وتقاسم عائدات بالعدل والقسطاس بين زعماء الاوليغارشية الفاجرة.. دون تجاهل موهبة ابداعية بتأسيس صندوق سيادي يحسب الاموال ويراكم الثروة دفتريآ على اعتياد ممارسة اسلوب ثعلبي احتيالي، في حين يذهب “البنكنوت الطازج” Fresh الى جيوب الاقطاع السياسي والمذهبي..!
استطرادآ، لم تكن زيارة المبعوث الاميركي Amos Hochstein مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون امن موارد الطاقة لتسعد حالآ او تنقذ مآلآ. فابتسامته المعهودة وحيوية حضوره صبت في خانة اظهار اعجاب ودهشة مصطنعة من وحدة موقف لبناني هُزال.. مغادرآ على عجل تاركآ مسكنات الانتظار بيد السفيرة دوروثي شيا لتحدد خطيئة العرض اللبناني ولتمدد خطيطة التفاوض الغير مباشر في ازدواجية بعض محلية متعاونة او صامتة (سرقة الثروة وسرقة الوقت) لحين تنفث الابار المحتلة غازها نحو اوروبا مددآ عن روسيآ بديلآ..!

أخيرآ؛ ان تكبيل الوضع اللبنانيي بمستجدات صراع المحاور وقضايا الاقليم ليس بعيدآ عن الواقع، الا انه مضخم الى حد ما.. وبموازاة صراخ الفقراء ومعاناتهم اضافة الى اضمحلال الطبقة الوسطى وموسم هجرة القوارب والسطو على مدخرات الناس، كما العزف الجماعي على عبارة “الحفاظ على اموال المودعين” مع الترويج لخطة التعافي”توزيع الخسائر”، فإن التخبط السياسي المحلي اللا وطني واللا عقلاني المعطوف على مزايدات التكليف والتأليف مع وجبة تحلية ملونة ب(غزل البنات) من تغيريين ومستقلين هو السائد..
بالتزامن فإن الاستحقاق الرئاسي بحاجة دارجة الى تحضير دفتر شروط المناقصة لترسو دون ابطاء تلزيمآ على الشخص..!امل ان لا تنقضي مهلة فض العروض دون توقيع الالتزام او حلف يمين الولاء.. علمآ ان الفراغ في طبيعة الاشياء مضنٍ والسقوط في ثقبه مميت، لا يضمن استمرارية البقاء.. كما قد يكون ثمنه غاليآ بسقوط الهيكل، اذ ان الجلوس حول طاولة مستديرة برعاية دولية يعني فرض الحل مباشرة على قاعدة (صُدِق)؛ دون مناقشة مطولات وتفسيرات البنود الدستورية والاجتهادات القانونية المعتادة..!

بيروت في 19.06.2022