فرص الحلحلة اللبنانية في إزاء لعبة الامم…

 

بقلم : نمر أبي ديب*

بالرغم من وجودية الأزمة السياسية – الإقتصادية – المالية التي يعيشها لبنان، وتأثيرها المباشر على الأمنين الغذائي والإجتماعي بلغت مفاعيل السجال السياسي مداها الأبعد لا بل حضورها الأشمل على منصة التصادم الداخلي سواء على المستوى التمثيلي من حيث الأحجام السياسية داخل مجلس الوزراء، أم على مستوى الأشتباك الرئاسي الغير معلن في مشهد منحت به ومن خلاله قوى المواجهة وقت إضافي لمشروعها السياسي وحراكها الإستثنائي ضمن تمادي غير مُبَرَّر لإدارة سياسية فاشلة ساهمت عن قصد أو غير قصد في تغيير ما تبقى من وجه لبنان الحضاري “سويسرا الشرق” والدخول المُمَنهَج في لعبة الأوراق المكشوفة أحد أخطر العناوين السياسية المطروحة على الساحة الداخلية والفصل ما قبل الأخير في عمليات التفاوض على صفيح ساخن إنطلاقاً من عوامل عديدة أبرزها.
1 – محدودية الخيارات السياسية وغياب الهوامش الداخلية المساهمة في تفعيل الحياة السياسية لقوى أساسية فاعلة ومؤثرة في المنظومة اللبنانية.
2 – الأستثمار السياسي في إستراتيجيات اللعب على حافة الهاوية، وفي هذا مُقدمات وجودية عابرة للظروف السياسية وأيضاً للجغرافيا أثبتت فيها التجربة إرتباط النتائج دائماً بجولات تدميرية هائلة، يشهد لبنان اليوم أحد أخطر عناوينها الوجودية سياسياً إقتصادياً إجتماعياً وحتى معيشياً.

في المقلب الآخر، في السياستين الإقليمية والدولية رسم الإهتمام الروسي مؤخراً بالملف اللبناني سقف الأستثمار السياسي – الإقتصادي في مرافق الدولة الأساسية، على قاعدة التموضع التدريجي في الساحة اللبنانية إنطلاقاً من قراءة إستراتيجية وأخرى ميدانية وجد فيها الجانب الروسي ضمانات وجودية لنفوذه السياسي، وحضوره العسكري في ساحل المتوسط، إنطلاقاً من عوامل عديدة أبرزها:
1- التهديد الذي تركه تفجير مرفأ بيروت لدول المتوسط.
2- التوازن العسكري في المتوسط هنا نتحدث عن التفوق الإستراتيجي الذي يُفترض أن يُشَكِلَه الساحل اللبناني مع مساحات الإنتشار الروسي في المنطقة وتحديداً قاعدة طرطوس الروسية في أي حرب إقليمية – دولية مُقبِلَة.
3- تزخيم مُقَدَّرات الردع الروسية في المنطقة على قاعدة تثبيت الإنتشار، وتقويض فرص الأستفراد الدولي مجدداً بروسيا سياسياً، عسكرياً، وحتى إقتصادياً، في مساحات المياه الدافئة.

إنطلاقاً من ما تقدم، من قراءة سياسية مزدوجة للمسارين اللبناني اللبناني من جهة والروسي اللبناني من جهة ثانية بات واضحاً للجميع حجم التحول الإستراتيجي في بنية السياسة الخارجية لروسيا الإتحادية تجاه المنطقة ولبنان تحديداً، بات واضحاً البعد التدريجي في تطور الموقف الروسي تجاه لبنان، المُنتَقِل إستثنائياً من علاقات ثنائية روسية لبنانية محكومة مسبقاً بسقف الحاجة الروسية في لبنان إلى علاقة وجودية باتت محكومة اليوم بسقف “الأمن القومي” الروسي في المنطقة ومتطلبات الأستقرار السياسي/العسكري للإنتشار الروسي في مساحات المياه الدافئة.

السؤال اليوم هل يتوافق الطموح الروسي في لبنان مع دور فرنسي فاعل، منتج ومُثمِر على الساحة اللبنانية؟ هل تسمح تطورات الموقف الروسي تجاه لبنان بولادة حكومة لبنانية جديدة، بمفاعيل وأحكام فرنسية، في ظل الخلاف الروسي الفرنسي المتجدد والمستمر في ملفات المنطقة ومن ضمنها المعركة النفطية شرق المتوسط؟

بمعزل عن الموقفين الأميركي والأممي، يُعتَبَر التدخل الإقتصادي الروسي في لبنان مقدمة إنقاذية للأزمة اللبنانية وخطوة أولى في مسار التموضع الروسي الجديد على أمتداد المساحة اللبنانية، ضمن خارطة نفوذ شرق أوسطية لم يظهر حتى الساعة أي إنعكاس واضح للأثمان السياسية، الإقتصادية، وحتى العسكرية المُوجِب دفعها في مراحل وضع لبنان الجديد على خارطة النفوذ الإقليمي في ظل التجاذب المستمر والإنقسام الحقيقي بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الإتحادية.

بالرغم من كارثية الأزمة اللبنانية وإستثنائية المرحلة الحالية يقف لبنان اليوم على منصة الإنتظار السياسي لأستحقاقاته المُقبلة، القادر من خلالها تسجيل الخطوة الأولى في مسار الحلحلة الإقتصادية، وحتى السياسية لواقع مأزوم وسط ترقب لبناني داخلي، وآخر خارجي إقليمي – دولي لمجمل التطورات المتلاحقة على الساحتين اللبنانية والإقليمية بما فيها المستجد الروسي تجاه لبنان، المبادرة الفرنسية، والمشهد الحكومي، السؤال هل تُحدد الإنتخابات النيابية المقبلة، من خلال الأكثرية البرلمانية الهوية السياسية للبنان الجديد؟ هل تحسم الإنتخابات الرئاسية المقبلة المواجهة الدولية الروسية الأميركية على المساحة اللبنانية؟ بمعنى آخر هل تعلن الأستحقاقات المقبلة ولادة لبنان الجديد؟؟؟ وهل تملك القوى المعنية بالملف اللبناني تصور مرحلي أو حتى إستراتيجي لمرحلة ما بعد الأستحقاقات المنتظرة تحسباً لرفض القوى الكبرى الولايات المتحدة الاميركية تحديداً الأعتراف السياسي “بشرعية الأكثرية النيابية الجديدة”.

بعيداً عن حسابات الدول المعنية بالملف اللبناني وفرضية إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، هل يملك “لبنان” اليوم فرصة “حلحلة حقيقية” لأزماته الداخلية؟ أم ما يجري لا يتعدى في إطاره العام حدود الإنتقال الممنهج من مرحلة كارثية إلى أخرى قد تكون أقل سلبية محكومة بسقف المصالح الدولية وحجم التنازلات الداخلية؟ حمى الله لبنان.

———————

*كاتب وناشط سياسي