غرفة الطاووس .. منزل الفن والمال

 

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

إذا رأيت طاووسا فإنك تعتبر نفسك قد رأيت قطعة من الجمال! ما هذه الألوان! وما هذا الزهو! “سبحان الخلّاق!” نقولها بكل صدق إذا احتضنت العين طاووسا، كان هذا رأي الفنان والمعماري جيمس ماكنيل ويسلر أيضا، الذي دفعه إلى تحويل غرفة الطعام في منزل فريدريك ليلاند إلى تحفة فنية مليئة بالطواويس! قد يبدو ذلك أمرا رائعا وسببا في تكريم ويسلر، أليس كذلك؟ ولكن ما فعله ليلاند مع ويسلر بسبب تلك الغرفة كان أمرا شنيعا للغاية، ولكن ذلك جعل ويسلر يجسد حكاية غرفة الطاووس في لوحة فنية رائعة الجمال!
في عام 1876، اشترى البريطاني فريدريك ريتشارد ليلاند لنفسه منزلا كبيرا في 49 بوابة الأمراء في حي كينسينغتون العصري في لندن. بعد فترة وجيزة، تحدث إلى المهندس المعماري ريتشارد نورمان شو بخصوص إعادة تصميم منزله وزخرفته، ولكن إعادة تصميم غرفة الطعام كانت مهمة المهندس المعماري الموهوب توماس جيكيل، الذي اشتهر بأساليبه اليابانية في التصميم والتي تضفي مظهرا رائعا.
كان ليلاند لديه مجموعة كبيرة من الخزف الصيني ذي اللونين الأزرق والأبيض، معظمه من عهد كانغشي من سلالة تشينغ، والذي أراد عرضه في غرفة طعامه. من أجل عرض مجموعة الخزف تلك، بنى جيكيل إطارا شبكيا معقدا من أرفف الجوز المحفورة المنقوشة واستكملها بجلد مذهب عتيق علقه على الجدران. في غرفة الطعام أيضا، احتلت لوحة للفنان الأمريكي جيمس ماكنيل ويسلر تسمى “لوحة الأميرة من أرض الخزف” مكانا واضحا فوق الموقد، وفي ذلك الوقت كان ويسلر نفسه يعمل على تصميم جزء آخر من المنزل، ويشرف على زينة قاعة المدخل.
عندما سأل جيكيل ليلاند عن الألوان التي سيستخدمها في مصاريع وأبواب غرفة الطعام، اقترح ليلاند أنه يستشير ويسلر بشأن مخططات الألوان. اعتقد ويسلر أن ألوان حدود السجادة والزهور الموجودة على الجدار الجلدي تتعارض مع الألوان الموجودة في لوحة الأميرة. وبإذن ليلاند، تطوع ويسلر لتلوين أجزاء من الجدران باللون الأصفر، وأضاف أيضا نمطا موجيا على الإطار والأعمال الخشبية كما غير قليلا في تصميم الباب. بعد فتره عاد ليلاند إلى عمله في ليفربول، ثم مرض جيكيل أيضا واضطر إلى التخلي عن المشروع.
بمفرده وغير خاضع للرقابة، بدأ ويسلر يأخذ بعض الحريات مع غرفة الطعام؛ قام بتغطية الغرفة بأكملها من السقف إلى الجدران بالمعدن الهولندي، أو أوراق الذهب المقلدة التي رسم عليها نمطا خصبا من ريش الطاووس. ثم قام بتزيين الرفوف والستائر الخشبية بأربعة طواويس رائعة.
عندما عاد ليلاند بشكل غير متوقع في أكتوبر من ذلك العام، صعق عندما وجد غرفة طعامه قد تغيرت بالكامل، كانت تفاصيل الغرفة كثيرة والإضافات التي قام بها ويسلر أكثر مما طلبه ليلاند قبل الرحيل. تم إضافة الجلد المنقوش بالزهور على الجدران بالكامل، وأضاف كل الأسطح بظلال مضيئة من الأخضر والذهبي والأزرق. والذي صب الزيت على النار أن ويسلر كان يدعو فنانين آخرين وأعضاء الصحافة إلى المنزل لمشاهدته وهو يعمل في الغرفة دون إذن من ليلاند. أما القشة التي قصمت ظهر البعير أن الفاتورة التي قدمها ويسلر إلى ليلاند كانت أكثر من 2000 جنيه إسترليني وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت؛ بالطبع رفض ليلاند الدفع.
وكتب ليلاند إلى ويسلر: “لا أعتقد حقا أنه كان يجب أن تورطني في مثل هذا المبلغ الكبير دون أن تخبرني مسبقا على الأقل”.
احتج ويسلر قائلا: “لقد قدمت لك مفاجأة رائعة! الغرفة حية بالجمال، دقيقة ومبهرة إلى أقصى حد، كما أنه لا يوجد مكان في لندن مثلها”.
أجاب ليلاند: “لكنك قمت بالكثير من العمل الإضافي دون أي أمر مني، الرفوف المذهبة، ريش الطاووس على السقف والطاووس الذي تضعه على تلك المصاريع، أنا لم أطلبهم. لا يسعني إلا أن أقترح عليك أخذها وبيعها لشخص آخر”.
في النهاية وافق ليلاند على نصف هذا المبلغ ثم طرد ويسلر من منزله، وكان آخر شيء قاله ليلاند لويسلر “لقد حولت الغرفة إلى لا شيء سوى مجمع فني، أنت محتال! سأمنع الجميع من إشراكك في أي عمل، ولن أسمح لأبنائي بالمزيد من الوقت معك، وإذا وجدتك تتحدث مع زوجتي فسوف أجلدك علانية”.
بالطبع خطط ويسلر للانتقام من الأذى والإهانة التي تعرض لها من ليلاند بسبب غرفة الطعام. كلمسة ختامية لعمله، صمم ويسلر لوحة كبيرة تصور اثنين من الطواويس التي تتقاتل على الجدار المقابل للأميرة كعلامة للعلاقة المتوترة بين الفنان وراعيه، الطاووس على اليسار يمثل الفنان أما الطاووس على اليمين فهو الراعي البخيل الذي يمكن تمييزه بالقطع النقدية المتلألئة من صدره وعلى ريش ذيله، وهناك زوجان من العملات المعدنية بالقرب من قدميه أيضا. وللتأكد من أن ليلاند فهم الرموز، وصف ويسلر اللوحة الجدارية بـ”الفن والمال” أو “قصة الغرفة “. بعد الانتهاء من عمله، غادر ويسلر البلاد ولم ير غرفة الطاووس مرة أخرى.
لم يقل ليلاند أبدا إنه يحب الغرفة، لكن يبدو أنه أدرك بوضوح أنها ذات قيمة لأنه لم يغير شيئا في الغرفة أبدا، واحتفظ ليلاند بغرفة طعامه لمدة 15 عاما حتى وفاته في عام 1892. في عام 1904 اشترى الصناعي الأمريكي وجامع الفن تشارلز لانج فرير غرفة الطاووس، وقام بتفكيكها وشحنها عبر المحيط الأطلسي إلى ديترويت حيث أعيد تجميعها في منزله، واستخدم فرير الغرفة لعرض مجموعته الخاصة من السيراميك. بعد وفاة فرير في عام 1919، تم تثبيت غرفة الطاووس بشكل دائم في معرض فرير للفنون في سميثسونيان في واشنطن العاصمة.