عقيدة الدُمى ..!

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي *

 

أتى انفجار المواد المعلومة المجهولة في العنبر رقم 12 بتاريخ 4 آب الماضي عَلى مسرح المدينة المنكوبة بيروت مهولآ في قوته التدميرية نوويآ في عصفه و غمامته الفطرية ذو خلفية حقيقية لجريمة “شرلوكية” -نسبة لشخصية خيالية : المحقق الخاص Sherlock Holmes التي خلقها المؤلف البريطاني “آرثر كونان دويل”- Arthur Conan Doyle ..! تميز الجناة بكفاءة الملاحظة و بالتفكير الجرمي المنطقي عَلى ما يعتقدون سواء في تخزين المواد المتفجرة و تهريبها او بيعها ثم اغراق او غرق السفينة الناقلة Rhosus و لو بصورة غير مباشرة تاركين للدمار الناتج ان يتكفل بمحو آثارهم و لوسائل التواصل الاجتماعي ان تعمم رعبآ مزدوجآ مدمجآ مع يأس و كفر مجتمعي ، آخذين بعين الاعتبار نتيجة خبرة اكتسبت مِن ارتكابات سابقة وضع سيناريوهات عدة يمكن رميها لاحقآ لتضليل التحقيق “فيديو الصاروخ المدمج مع صور ما قبل الانفجار – صور مجموعة تلحيم احد ابواب العنبر الخ..”.. تاركين لفرق المحققين مِن محليين و دوليين تقاسم الادلة الجرمية بتنافسية مع فرضيات “تنجيمية” Astrological عاقرة ..

 

من جهة أُخرى ؛ اتت استقالة حكومة الرئيس دياب التي ضمت عددآ مِن دمى Marionette بعد توالي انسحاب بعض وزرائها نتيجة حتمية لما بعد النكبة، إذ لَم تشفع بها نواياها الصادقة في الاصلاح و الانقاذ فَغُرِزَت مسامير ايلامها مِن الحلفاء قبل الخصوم ، و إذ كان المطلوب منها بعض الاصلاحات التي تسمح بالتقاط انفاس الناس فتؤمن لهم وقف الهدر و تدهور سعر العملة حفاظآ عَلى مستوى معيشتهم بالحد الادنى يقيهم شر الجوع والعوز مع تحريك ولو خجول للإقتصاد بدت عاجزة عن أي مقاربة تدرجية للجم الانهيار بصرف النظر عن الظروف والاسباب ..!

 

بيروت، مِن دخان الدمار المتصاعد و رائحة الدماء الذكية النازفة أتت مئوية لُبنان الكبير لتؤكد ان عرائس الدمى لا تزال تلعب منذ عشرينيات القرن الماضي رغم تقادم الخيوط وتكاثر عقد الربط.. واذا كان المسرح الياباني “بونراكو” Bunraku المؤسس تفنن في عروض الماريونيت فكان احد ادوات التعليم والتلقي فان ظهور “الكراكوز” الدمية على خشبتنا جسد الكثير مِن شخصيات بعينها “التاجر، الحاكم، اللص، القاضي الخ..” بصورة ساخرة او محبطة ملأت شخوص خيالاتنا عَلى أرض الواقع الدامي وبقي السؤال الدائم لدى العامة عمن يقف خلف الستارة ويحرك الدمى كما يشاء ..! تاليآ ، وبعد ان اصبح الكوكب مسطحآ نتيجة تِقَنيات الاتصال المتقدمة و التواصل السهل لَم يعد مِن حاجة للستارة التي تخفي “صاحب العرض” إذ باتَت انامله واضحة تمارس “القوة الناعمة” مع سياسة الضغط الاقصى حينآ وعند الاقتضاء مخالبه المرقطة وانيابه الصاروخية ..!

في مئويته كان ترنح الوطن الصغير بين شرق وغرب إثر انفجار المرفأ قاب قوسين او ادنى مِن مؤدى الزوال عَلى ما اعلن وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان ومن دون اعتماد وسيط او شباك تذاكر إستُبدِل صاحب العرض بالأقرب الحنون وبإنسانية لافتة زار الرئيس ايمانويل ماكرون بيروت وشوارعها المدمرة متفقدآ اهلها المنكوبين مستنفرآ بوارجه محملة بالمساعدات ثم مطلعآ عَلى رزايا مسؤوليها فَهاله ما رأى وسمع مِن نفاق وتزييف و تضليل وحض عَلى مؤامرات بعضها عن جهل ان لَم نقل غباء و بعضها الآخر عن وعي وادراك عَلى خطورة قتل وطن او اخضاعه ..! فبادر مضطرآ الى رفع عصا الطاعة باسم الشعب لا بإسمه ممهلآ لا مهملآ مانحآ الرئيس المكلف مصطفى اديب مهلة التأليف المحددة أما الدمى التي اتقنت ادوارها السياسية بفهلوية فلها مهلة لا تتجاوز نهاية العام لإلتزام اصلاح دون عرقلة سافرة ..!

بمغادرة الرئيس الفرنسي بيروت بَدأت ألأمزجة والمصالح والمحاصصات تدخل اللعبة المعتادة مع عرض سياسي عَلى عزف منفرد يصوب سهامه نحو أهدافه وفي حين بدا ان تجاوز الكارثة او تَجاهُل ما نتج قريب المنال إستُرِدَ الاعتبار للشهداء والجرحى بالتحقيق العدلي الذي دنا مِن رؤوس كبيرة عَلى امل ان يكون قد حان موعد قطافها ..

يتساءل المواطنون هَل تخيب أو تصيب مبادرة ماكرون .؟ بعضهم عشعش اليأس في قلوبهم والعقول فاعتبروا ان المشهدية طيف خيال في “صندوق الدنيا او الفرجة” Carnival Show لَطالَما شاهدوا في احلامهم حكامآ قامروا بهم انتخابيآ فسقطوا ..!

آخرون مقتنعون ان العلاقة التاريخية مع فرنسا قد تشكل حبل نجاة بالتزامن مع المصلحة وهي المحرك الاساسي لإستراتيجيات الدول بِدءآ بمواجهة التمدد التركي في ليبيا و المتوسط إضافة الى مصالح مباشرة بين باريس و طهران يقابله عرض مسرحي درامي مفتوح في فصله الاول الشرق الاوسط الجديد و الثاني صَفقة القرن مع عمليات تطبيع خلال الوقت المستقطع حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية ..!

 

سوابق الرؤى السياسية الراسخة للدول تؤكد ان الاستراتيجيات و التكتيك معرضة للتبدل و التغيير الفجائي مع تغيير الاشخاص و الادوار وِفقآ للظروف فالعقول مرنة أما الجمود فيسقط قيمة الاشياء .! حاليآ اهل البلد يرصدون المسرح يجدون في براغماتية ماكرون كوة امل انما الاهم هو نجاح الرئيس المكلف مصطفى أديب في استغلال الدعم الفرنسي لتجاوز عقبات التشكيلة الحكومية بداية كي لا يقع في عثرات سلفه ثُم متابعة البعد السياسي الفرنسي و الدولي لانجاز الاصلاحات البنيوية ، مكافحة الفساد ، اعادة اعمار الجزء المدمر مِن العاصمة ، وضع سقف ثابت مقبول لسعر الدولار الاميركي ، العلاقة مع البنك الدولي الخ.. مِن عناوين مطلبية قد توصل لاحقا الى انتخابات نيابية مبكرة ان حسنت النوايا ..!

 

خِتامَآ ؛ إعتبر المخرج الالماني “فيسفولد ماييرخولد” Vesvolod Meyerhold الممثل مجرد دمية “ماريونيت” يمكن تطويعها مِن اجل أداء ما يريده المخرج في عرضه المسرحي و هذا ما يملي عَلى الرئيس الفرنسي متابعته و التمثل به مكلفآ السفير السابق في لُبنان “برنارد إيميه” و مدير الاستخبارات الخارجية حاليآ فك طلاسم النظام اللبناني عَبرَ آلية ديناميكية لتطويع اللاعبين عَلى خشبة المسرح المحلي تلافيآ لعودتهم الى سيرتهم الاولى في نزوعهم ألتعودي Accustom الى “عقيدة الدمى” Puppet Doctrine ذات الهرطقة السلبية الطاغية إذ لا تكفي إبتهالات الشعب و حراكه المدني فقط لإستلاب Alienation سلطتهم المطلقة المتفلتة مِن اية محاسبة ..!

————–

 

بيروت في 06.09.2020