عبد الناصر .. الثائر – الرمز الذي ما زال يجسد أحلام الاحرار بالتحرر والتحرير

 

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

 

أتى في زمن تعطّشت فيه الشعوب العربية لزعماء يحققون طموحاتها التحررية والاستقلالية. وبرغم النكسات التي تعرّض لها مشروعه العربي، فهو ما زال الزعيم الأكثر شعبية في العالم العربي. إنه الزعيم المصري جمال عبد الناصر.
ولد جمال عبد الناصر في كانون الثاني عام ألف وتسع مئة وثمانية عشر في ريف الإسكندرية، شق طريقه بعزم وتصميم، فجمع بين الوظيفة الحكومية والدراسة، ثم انضم إلى الكلية الحربية، وتخرّج فيها، مترقّياً في الرتب العسكرية. وخلال ذلك عرف عن عبد الناصر تبنّيه الأفكار الوطنية والقوميّة.
في أيّار عام ألف وتسع مئة وثمانية وأربعين ، ومع اندلاع الصراع إثر احتلال فلسطين، كان عبد الناصر ضمن الوحدات التي أرسلتها مصر للمشاركة في المعارك، حيث تولّت وحدته مهمة الدفاع عن منطقة الفالوجة. وبرغم تطويق الصهاينة الفالوجة، فقد قاومت القوات المصرية الحصار ببسالة، ورفضت الاستسلام. ليتحوّل المحاصَرون إلى أبطال وطنيين نالوا التكريم بعد وقف العمليات الحربية، وذاع صيت جمال عبد الناصر بين ضباط الجيش المصري.
في ذلك الوقت، كان النظام الملكي في مصر وعلى رأسه الملك فاروق غارقاً في صراعاته مع الطبقة السياسية في مصر، في حين كان خاضعاً بالكامل لإملاءات البريطانيين، وخلال حرب فلسطين دوّت فضيحة الأسلحة الفاسدة التي زوّد بها الجيش المصري في فلسطين والتي كانت من أسباب هزيمته، ما أشعر ضباطه بالذل والمهانة. من هنا، عمد المقدّم جمال عبد الناصر مع جماعة من رفاقه إلى تشكيل جماعة سرّية أطلق عليها تنظيم الضباط الأحرار.
ذاع صيت التنظيم من خلال منشوراته التي كانت تطبع وتوزّع سراً، وتضمّنت دعوات لتنظيم الجيش وإعادة تسليحه بشكل جدّي، وانتقاداً لسياسات الملك فاروق الذي بذّر ثروات البلاد، وزاد الفقراء فقرا. وقد حاولت الأجهزة الأمنية اكتشاف أعضاء التنظيم ولكن عبثاً.
في كانون الثاني عام ألف وتسع مئة واثنين خمسنين شهدت القاهرة حريقاً هائلاً، أظهرت خلاله السلطات المصرية عجزاً وسوء إدارة في مكافحته، ما أدّى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وهذا زاد نقمة الجماهير على النظام الملكي والطبقة السياسية.
وفي ذلك الوقت، شهد نادي ضباط الجيش صراعاً لفرض مرشح الملك فاروق لتولّي رئاسة اللجنة التنفيذية للنادي، في حين كان أكثر الضباط ومنهم الضباط الأحرار يؤيدون اللواء محمد نجيب. وهو أمر فاقم نقمة ضبّاط الجيش على الملك فاروق. في هذه الأثناء، قرر جمال عبد الناصر ورفاقه عزل الملك فاروق.
في ليل الثالث والعشرين من تموز عام ألف وتسع مئة واثنين وخمسين، تحرّكت الوحدات العسكرية الموالية للضباط الأحرار، وسيطرت على المنشآت الحيوية في القاهرة، وألقت القبض على قادة الجيش. ثم بثّ الثوّار بيان مجلس قيادة الثورة الأول عبر أثير الإذاعة المصرية، ولاحقاً أعلن إسقاط الملكية وقيام الجمهورية المصرية. ضم مجلس قيادة الثورة اللواء محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسند إليه منصب الرئاسة لمكانته في المؤسسة العسكرية. ولكن، وبعد اتساع الخلافات بين الضبّاط الأحرار ومحمد نجيب أقيل من منصبه عام ألف وتسع مئة وأربعة وخمسين ، وعُين عبد الناصر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا للوزراء. ثم انتخب في استفتاء شعبي رئيساً للجمهورية عام ألف وتسع مئة وستة وخمسين.
حفل عهد جمال عبد الناصر بالعديد من الإنجازات، بدءاً بجلاء قوات الاحتلال البريطاني عن مصر، وتأميم قناة السويس وإنشاء السد العالي، الذي حمى مصر من الفيضانات ووفر احتياجاتها من الطاقة الكهربائية. كما سنّ عبد الناصر قانون الإصلاح الزراعي الذي قضى على الإقطاع وجعل الفلاح المصري يتملّك الأرض التي يزرعها أول مرة. كما أممت المؤسسات التجارية الخاصة والأجنبية. وقد تبنّى عبد الناصر الرؤية الاشتراكية في رعاية الدولة للمواطنين وتوفير التعليم والطبابة المجانية، فضلاً عن سعيه للنهوض بالقطاع الصناعي.
أدّى تبنّي جمال عبد الناصر للقضايا القومية إلى تفعيل الشعور القومي العربي، وقد قرن هذا التبنّي بدعم حقيقي للقضايا القومية العربية ومساعدة فعّالة للحركات الثورية كما في الجزائر، واليمن، فضلاً عن الدعم المتواصل للقضية الفلسطينية. وسعى عبد الناصر إلى تفعيل الممارسة الوحدوية، فكان من ثمار هذا قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام ألف وتسع مئة وثمانية وخمسين تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة. أمّا دوليا، فكان من المؤسسين لمنظمة دول عدم الانحياز، إضافة إلى دوره في تأسيس منظمة التعاون الإسلامي عام ألف وتسع مئة وتسعة وستين.
برغم انجازات عهد جمال عبد الناصر، فقد حفلت تجربته بالعديد من الإخفاقات والنكسات، منها فشل تجربة الوحدة مع سورية بعد ثلاث سنوات من تحقيقها، فضلاً عن مساندته للثورة اليمنية التي سبّبت نزاعا داميا، استنزف جزءاً كبيراً من موارد وقدرات الجيش المصري،كما أن أجهزته الأمنية تحوّلت من وسيلة لحماية الثورة إلى أداة لقمع المواطنين المصريين. ويرى بعضهم أن عملية تأميم المؤسسات التجارية والاقتصادية طبقت بطريقة عشوائية أدّت إلى تراجع الإنتاج الوطني وتعثّر عملية تطوره المرجوّة. ثم جاءت هزيمة عام ألف وتسع مئة وسبعة وستين. أمام العدو الصهيوني، لتشكّل نقطة تحوّل كبرى فى التجربة الناصرية، جعلت عبد الناصر يعيد النظر في رؤاه وسياساته الداخلية والخارجية، وكانت مناسبة لتجديد ثقة الكثير من الشعوب العربية بقيادته بعدما خرجت التظاهرات الشعبية تطالبه بالعودة عن استقالته التي أعلنها بعد الهزيمة. وهكذا أطلق عبد الناصر مرحلة محو آثار الهزيمة، وتفعيل التضامن العربي لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب.
توفي جمال عبد الناصر بشكل مفاجئ في أيلول عام ألف وتسع مئة وسبعين عن اثنين وخمسين عاماً. وقد شارك في تشييعه الملايين، في مشهد قل نظيره في العصر الحديث.
وبرغم مرور سنوات طويلة على رحيله، فما زال جمال عبد الناصر ظاهرة فريدة في التاريخ المصري والعربي الحديث، وهو لا يزال رمزاً لأحلام القومية العربية ومناهضة الإمبريالية، ودعم القضية فلسطين.