طبقة سياسية تؤمِّن الحماية لرياض سلامة لتتمترس خلفه

   

بقلم : عباس صالح*

من الواضح ان المنظومة الحاكمة للبنان ومعها غالبية السياسيين اللبنانيين قد توصلوا منذ مدة طويلة، الى قاعدة مفادها ان تجويع اللبنانيين هو السبيل الاوحد الذي يرسخ حكمهم ويؤبِّد سيطرتهم على البلد، ويبعد عنهم أشباح البدلاء والاخصام الذين ينازعونهم أو حتى أطياف معارضيهم الذين يؤرقون مضاجعهم، رغم قلتهم وندرتهم.

انطلاقاً من هذه الخلاصة بدا ان جميع القوى السياسية المشاركة في الحكم تبارك وتغطي، وإن بشكل متفاوت النسبة، كل الممارسات السوداء لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتحميه، وتتغاضى عن معظم جرائمه المالية، بل ان غالبيتها تثني سراً علىإنجازاته العظيمة” التي تناسبها،  وتتعاطى معه وكأنهبطل قوميباعتباره حقق للمنظومة ما لم تكن تستطيع تحقيقه او حتى تحلم به أبداً!

لا شك يعتري هذه الخلاصة، على اعتبار ان الشعوب الفقيرة تلتصق اكثر فأكثر بزعمائها الذين يؤمنون لها المعيشة ولو ضنكى، او بالفتات، ومن يقول غير ذلك فليراقب بدقة تصرفات القوى السياسية التي تشكل، على اختلافاتها البينية العميقة، سداً منيعاً، وحصناً حامياً لرياض سلامة، عندما تصبح الاجراءات الخارجية بشأنه جدية، على اعتبارانه يقدم لها ما لم تكن تحلم به يوماً.

في هذا السياق يبرز موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي اضافة الى انه يجاهر في حمايته لسلامة من أي إجراء داخلي او خارجي فإنه بدوره ايضاً لم يخجل منذ وصوله الى رئاسة الحكومة، من ممارسة دورالجزَّارالذي لم يترك جريمة بحق اللبنانيين الا واقترفها، وبوقاحة منقطعة النظير،  فهو المجرم الذي تجرأ على رفع الدعم عن الوقود بعد ان أخذ هذا الملف الملتهب مأخذا في ملاعب السياسيين المطروحين في حينه لرئاسة الحكومة، وبعد ان رفض رئيس الحكومة السابق حسان دياب تلقف هذه الكرة الملتهبة، بل هذه الجريمة الموصوفة، التي كان يعرف، كما يدرك الجميع، انها ستطال كل الأُسُس البنيوية المتعلقة بالعيش على ارض الوطن، وتحول أهله في نهاية المطاف الى متسولين من الدرجة الثانية بأحسن الحالاتكذلك فعل كل من طرح قبله لهذا المنصب كالرئيس سعد الحريري والسفير مصطفى أديب وغيرهم الكثير ممن لم يقبلوا أن يُلطخوا بهذا العار الابدي، فاعتذروا ومضوا الى خارج الحلبة بإرادتهم الكاملة، بينما قبلها الميقاتي. 

وما ان تنكب صلاحيات رئاسة السلطة التنفيذية حتى رفع الدعم عن الوقود والخبز والدواء غير مكترث حتى بالحالات الانسانية وسواها، ومضى في أقسى اجراءات الجريمة بحق المواطنين من خلال تذويب مداخيلهم ورواتبهم عبر تخفيض سعر صرف الليرة، والتي وصلت الى حدود لا يقبلها عقل ولا حتى غباء إذ كيف يمكن ان تستمر دولة قائمة والحد الادنى فيها للأجور بالكاد يكفي لشراء قارورة غاز واحدة فقط، او حتى صفيحة بنزين واحدة ؟! وكيف تستمرهيكلية دولة، ورواتب موظفيها لا تكفيهم كثمن وقود للإنتقال إلى اعمالهم؟! وكيف لوطن ان يستمر، فيما غالبية أبنائه لايجدون ثمناً لخبزهم اليومي؟!، ومرضاهم لا يجدون الطبابة ويمنع عنهم الاستشفاء ويُحجب عنهم الدواء ؟!

سلسلة الجرائم في هذا المضمار لا تنتهي ، والميقاتي لا يرى كل جرائمه التي ارتكبها بحق لبنان واللبنانيين برفعه للدعم عن الحاجات الاساسية فيما كان المطلوب ان ينظر في تأمين الديمومة لذلك الدعم، على قلته، من مصادر خارجية او داخلية، قبل ان يوافق على تلقف كرة النار ويقبل بالمهمة، هذا لو كان رجل دولة ، لكنه لم يدِّعِ يوماً انه من طينة الرجال الذين يفكرون على مستوى رجال الدولة او من قماشتهمً، بل ان ما يهمه كان المنصب، ولو كان الكرسي يعتلي جماجم اللبنانيين وأولادهم.

ككل الجزارين في السياسة وصل نجيب ميقاتي الى الكرسي، وبعد ان تقاسم مع بقية اعضاء المنظومة ما يجب اقتسامه، على اعتبار انه منهم وفيهم، ويعرف أسعارهم جيداً، أعطى لكل منهم حصته، ومضى في القرارات اللاإنسانية فرفع الدعم، الذي ارتفعت معه أسعار الوقود نحو  12 ضعفاً والدواء كذلك ارتفع نحو 20 ضعفاً والمواد الغذائية والاساسية الى عشرات الاضعاف كذلك، الى درجة باتت معها الحياة في لبنان جحيماً لا يطاق، ولا يمكن ان يستمر أحد بالعيش على أرضه ما لم يكن لديه موارد دخل من الخارج وبالعملات الصعبة، على ان يعيش في أضيق حدود العيش، وعلى الاساسيات فقط مهما كان الدخل عالياً. او ان عليه ان يبقى مرتهناً بخبزه ومائه ودوائه وأساسيات عيشه، لمراجعه السياسية كما هو مرسوم وواضح حتى الان. 

وميقاتي على ما يبدو يعرف جيداً دوره الآن، والذي يقتصر بالضرورة على حفظ التوازنات القائمة ما امكنه ذلك، لتمرير المرحلة، وابرزالتوازنات اليوم يتمثل بحماية رياض سلامة، لئلا يؤول منصب حاكم البنك المركزي إلى عونيباسيلي، بحكم التركيبة الطائفية القائمة على ان تعين كل جهة سياسية شريكة في الحكم، من تزكيه وتتبناه لشغل المنصب المخصص للطائفة اوالمذهب الذي تمثله في توزيعة الحكم، ولذلك تراه يستميت في الدفاع عن سلامة ولا يزال يستخدمه كشماعة اما للحؤول دون تسليم المنصب لعون على مشارف نهاية عهده، او ربما لرفع سعره في سوق المقايضة مع القوى السياسية الاخرى، وإما لإرضاء القوى الداعمة لسلامة والمتهمة بالارتباط بصفقاته، والتي دافعت وتدافع عنه علناً، كالرئيس سعد الحريري والبطريرك بشارة الراعي والنائب السابق وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري وسواهم.

وفي مقابل تلك الحماية المعلنة والتي وصلت الى حد إشهار سلاح الدولة الرسمي في وجه دورية امنية رسمية ايضا حاولت توقيفه تنفيذاً لمذكرة قضائية، لم يعد رياض سلامة آبهٍ بأحد، بل بات يمارس الابتزاز علناً بحق الشعب اللبناني بأكمله، من خلال التلاعب بأسعار العملات، وتخفيض قيمة العملة الوطنية، تبعاً للتطورات القضائية في ملفه، وملف شقيقه، ورغم تحوله الىكارت محروقبعد ان بات مطلوباً للقضاء الاوروبي والمحلي، ويكاد يصبح المطلوب رقم واحد على لائحة الانتربول الدولي، الا ان الميقاتي ماضٍ في تأمين الغطاء المطلوب لسلامة، ليس حباً ووفاءً للرجل الذي أمن له مصالحه المالية واعطاه القروض الاسكانية الضخمة بفوائد تكاد تكون معدومة، بل على الأرجح لحجب الفضائح التي بحوزته عن كل القوى التي تستميت في الدفاع عنه حتى الآن، ولا يبدو ان هذه القوى ستسمح بوصول سلامة الى قاعات المحاكم التي تمكنه من قول الحقيقة كما هي، وفضح الارقام واسماء المستفيدين والجهات المشاركة في اهدار واختلاس مئات المليارات من دولارات الخزينة اللبنانية طوال 30 عاماً.

فما يملكه سلامة من الفضائح العامة بحق زعماء كبار وسياسيين وإعلاميين وموظفين كبار هو كنز مخيف، وهو الذي يؤمن له الحماية حتى الآن…

——————————

*رئيس تحرير “الدنيا نيوز”.