طاولة الحوار..!

 

 بِقَلَم العميد منذر الأيوبي *

لم يمضِ أكثر من 48 ساعة على دعوة ألرئيس الاميركي دونالد ترامب المسؤولين الإيرانيين للاتصال به معربآ عن استعداده للحوار دون شروط مسبقة حتى بثت شبكة CNN الإخبارية الاميركية من مدينة “أتلانتا” عاصمة ولاية جورجيا خبرآ مفاده تواصل البيت الأبيض مع الخارجية السويسرية بُغيَة تمرير رقم الهاتف الخاص للرئيس ترامب في حال طلب الإيرانيون ذلك .

من الواضح ان واشنطن و ألرئيس تحديدآ ما زال يمسك العصا من وسطها ف بموازاة التواجد العسكري الضخم للولايات المتحدة في الخليج و التهديدات المتبادلة أتَت الخطوة الأخيرة مؤشرآ على الاستعداد للحوار من الجانب الاميركي ، بِالمقابل تحفظت طهران معتبرة الدعوة للحوار تحت الضغط العسكري و العقوبات الاقتصادية أمرآ لا يمكن القبول به .

على ما يبدو ، و رغم نصائح قيادات البنتاغون لم يقرأ الرئيس ترامب حتى الآن العقل الإيراني في عمقه العقائدي و الاستراتيجي ، اذ يعتبر القادة الإيرانيون ان الحوار يكون ضمن هامش الاحترام المتبادل و ليس تحت مظلة أل B 52 أو بوجود حاملات الطائرات و القطع البحرية العسكرية المرافقة لها في المياه المقابلة لقواعد الصواريخ الباليستية ألتحت ارضية الموجهة عن بعد ، منظومة “عماد” ذات مدى 1700 Km .

عبارات الرئيس ترامب في مؤتمره ألصحفي الخميس الماضي : “أود أن أرى من إيران ، أود أن أراهم يتصلون بي ، يجب أن يتصلوا . إذا فعلوا ذلك فسنكون منفتحين على الحديث معهم”. جيدة جدآ في المضمون لكنها سيئة جدآ في التوقيت من المنظور الإيراني ، فهذه الدعوة كان يفترض ان تتم قبل الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي 5+1 و فرض عقوبات اقتصادية و مالية قاسية .

إذن “المبارزة” ما زالت قائمة و يمكن تحويلها إلى “مبادرة” تدفع بالطرفين إلى طاولة المفاوضات لكن بحضور فريق ثالث و بتشجيعه ، هذا الدور لا يمكن ان يضطلع به سوى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا سيما و ان علاقات كلا الرئيسين “ترامب – بوتين” الشخصية تبدو منسجمة إلى حد ما ، و هذا ما ظهر جليآ في قمة هلسنكي عام 2018 عندما أعلن الرئيس ترامب عن ثقته بالرئيس بوتين مستطردآ : “في الواقع أنا أصفه “بوتين” بالمنافس و المنافس الجيد وأعتقد أن كلمة منافس هي مديح”، و هو ما انفك يكيل المديح له خاصة بعد إقفال ملف تحقيق روبرت مولر و تحرره من أعباءه .

من المعروف عن الرئيس ترامب ان خطواته تجاه قضايا العالم غالبآ ما يتعاطى معها من خلال رؤيته الشخصية و جرأته دون اعتبار لتوجهات و آراء بعض مستشاريه و الدولة العميقة ، إذ ان المثال الكوري الشمالي ما زال ماثلآ كما ان ترحيبه بخطوة لقاء القمة بين الرئيس بوتين و الرئيس الكوري الشمالي إعتبرها مشجعة كوساطة غير معلنة و في محلها .

في سياق مُتَصل ، يرغب الرئيس ترامب في تحقيق إنجازات على صعيد حل أزمات العالم لا سيما كوريا الشمالية و إيران ، بصرف النظر عن اخطاء ارتكبها سواء بحق الحلفاء ألأوروبيين و تركيا أو بحق من يعتبرهم خصومآ ، إذ ان إنجازاته ستصب حَتمَآ في خانة نتائج الانتخابات الرئاسة الاميركية عام 2021 ، إضافة إلى أن الانزلاق نحو حُروب يريدها بعض صقور ادارته المنسجمة مع توجهات قادة الكيان الصهيوني أمر لا زال يتفاداه حتى الآن ، و هذا ما حاولت تقارير أجهزة إستخباراته ألأخيرة تسويقه عن نوايا هجومية لدى إيران و حلفاءها لضرب القواعد و التجمعات العسكرية للقوات الاميركية في الإقليم . بألتوازي سارع مندوب إيران لدى الأمم المتحدة “مجيد تخت روانتشي” إلى نفي «الادعاءات بوجود تهديدات ذات صدقية عن احتمال قيام بلاده بالهجوم على القوات الأميركية في المنطقة معتبرآ المعلومات كاذبة»، وتشبه ما تم تداوله قبيل اجتياح العراق عام 2003 .

خِتامَآ ، إختَصَرَت عبارة وردت في مقدمة النشرة الإخبارية المسائية لتلفزيون الجديد اليوم :
“حرب فوق المضيق و تفاوض تحت الطاولة” المشهدية الحالية ، فَ فيها الكثير من الصحة و سلامة التحليل . على هذا الأساس الكوكب ينتظر الحوار أما الإقليم فيترقبه بحذر و توتر ، على أمل ألا يطول تحديد مكان الطاولة و أمكنة الجالسين .

بيروت في 11.05.2019

*عميد ، كاتب و باحث .