ضفائر جديدة … لكِ أيتها الحياة

فاطمة صالح*
____________________

 

مُشتاقةٌ جداً، لأن أسمَعَ كلاماً جميلاً، خارجاً من قلبٍ رَقيقٍ، شَفّاف.. تعبَقُ فيهِ الإنسانيّة.. ويخرُجُ منهُ بَخورُ الأمان.. يتوَزّعُ في حَنايا روحيَ الظمأى.. في هذا العالَمِ القلِقِ، المجنون.. البَعيدِ كُلّ البُعْدِ عنِ الدّفءِ، والأمانِ، والإنسانيّة..
مُشتاقةٌ جداً، إلى لَفتاتٍ دافئة.. وابتساماتٍ عَذبَة.. خاليةٍ منَ التعقيد.. بعيدةٍ كلّ البُعْدِ عنِ التكَلّف.. عن تصَنّعِ الحياة..
مُشتاقةٌ جداً.. إلى زهْرَةٍ قُدسيّة.. تُدَغدِغُ وُرَيقاتُها الطريّةُ روحي.. فتعْتِقها.. وتسمو بها في طَبَقاتِ المُستحيل.. تُبْعِدُها عن مَصادِرِ الألَم السائدِ في هذا العالَم الحائرِ الضالّ.. تسمو بها، حتى تصِلَ إلى فضاءاتِ الجَمالِ.. ومَدائنِ الألفة.. تعْبُرُ بها مَجاهِلَ الخوفِ، والقلق.. مُحَلّقَةً فوقَ كلّ المَعاني الزائفةِ، التي تحاولُ أن تحكُمَ العالَم.. لتصِلَ بها إلى مَصادِرِ السعادةِ.. والحبِّ.. والدّفءِ.. والسلام.. تحوكُ هنالكَ جَدائلَ الحياةِ، من جديد.. تُحيلُها أغمارَ حِنطة.. تصبغها بألوانِ قوسِ قُزُح.. تُعيدُ كتابَةَ تاريخِ العالَم.. تمزّقُ رِداءَهُ القديمَ البالي، ذا الألوانِ الحمراءِ الفاقعة.. وتنسُجُ من خيوطِ الجَمال.. منَ الزّهريِّ، واللّيلَكيِّ الأخّاذ.. ثوباً جديداً.. وتطلي وَجْهَهُ بالبَياضِ الناصِع.. وتكتبُ على جَبينِهِ، بأحْرُفٍ من حَنان، أجمَلَ القصائدِ، التي تغازلُ الأرواح.. وتهزّ فيها أوتارَ الشوقِ، والأمَل..وتفتحُ نوافذها كي تخرجُ خفافيشُ الظلامِ، والغِربان.. وتدخلَ منها نسائمُ الصّباح.. وحَماماتُ السلامِ تهدِلُ في زواياها.. وينتشرَ الدفءُ، من أشِعّةِ الشمسِ القادمة، لتُطَهّرَ العالَمَ، وتدفئَ القلوبَ الباردَة.. تُشْعِرَها بلذّةِ دفءِ المَحَبّةِ، ومُتعَةِ العطاء.. تحرقُ القلوبَ الحَجَريّة.. تحوّلُها إلى رَماد.. وتذروها فوقَ أنهارِ الحِقْدِ، الذاهِبَةِ إلى الجَحيم.. تزرَعُ مكانها قلوباً من حَنان.. قادمةٌ شُتولُها من واحاتِ السلامِ، وبِحارِ المَحَبّة.. مُغتسِلةٌ، ومُعَمَّدَةٌ بقُدْسِ التآخي، والتراحُمِ بينَ البَشَر..
هل من جَناحَينِ يَحملاني إلى قُرى الدّفءِ، والندى.. لأحضرَ مَواسِمَ الفرَح، ومَهرجاناتِ الطّهْر..؟! فقد بدأ الإحتفال.. وأنا ما أزالُ أهَيّئُ نفسي.. أتزَيّنُ لهُ، وألبسُ أجمَلَ ماعندي، لأكونَ لائقةً بالفرَح..
أخافُ أن يسبقَني الكثيرون.. أخافُ ألاّ أجِدَ لي مكاناً شاغراً هناك.. أن تفوتَني المُتعَة.. أن يسرقَ أحَدٌ ما منّي أحلاميَ البريئةَ، في أن أحضرَ الفرَح.. أخافُ أن تُسْرِعَ الأيامُ والليالي.. أخافُ ألاّ يكونَ باستطاعَتي اللحاقُ بها.. لأجَدّلَ معها ضَفائرَ الحبّ.. وأرميها فوقَ بحارِ السلام.. لتأخذَها مع أمواجِها، وتعْبُرَ بها المُحيطات.. لتوَزّعَها في كلِّ شاطئٍ، ومَنزل.. كلِّ قريةٍ، و مَدينة.. كلِّ تَلٍّ، وسَهْلٍ، في هذا العالَمِ المُضطَرِمِ، المُضطرِب.. فوقَ تلالِ القهْرِ، وكُثبانِ الرّماد.. في شوارِعِ الحُزنِ، ومُدُنِ الضّباب.. فوقَ جثّةِ الظلمِ، والإستعباد.. في دَمارِ الحُروبِ، وجُنونِ العَظَمَة..
هل مِنْ أحَدٍ يُهَيّئُ ليَ العَرَبَة..؟!
لقد أكمَلْتُ زينتي..
هل مِنْ نسمَةٍ ربيعيّةٍ تُقِلّني..؟

*شاعرة وكاتبة سورية