شاعر الارض محمود درويش (2) الحياة بين الترحال والحنين إلى الوطن

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

بين موسكو والقاهرة وباريس وعواصم مختلفة تنقّل محمود درويش خلال مرحلة اقامته في بيروت التي اعتبرت خصبة وهامة.
عاش محمود درويش مرارة التناقض بين انتمائه هو وأهله منذ أجيال وأجيال الى فلسطين وبين حرمانه من الجنسية في هذا الوطن. وهذا ما عبّر عنه في قصيدته “جواز سفر”:
محمود درويش:
“أيوب صاح اليوم ملء السماء
لا تجعلوني عبرة مرتين
لا تسألوا الأشجار عن اسمها
لا تسألوا الوديان عن امها
من جبهتي ينشق سيف الضياء
ومن يدي ينبع ماء النهر
كل قلوب الناس جنسيتي
فلتسقطوا عني جواز السفر”
من منفاه الاختياري عاش محمود درويش يواجه المحتل بطريقته الخاصة ولم يكن بمنأى عن الصراع، بل شارك فى كل فاصلة من فواصله وكل دقيقة من دقائقه يدفعه ارتباط وثيق بالأرض وبالإنسان وتحولت قصائده داخل الأرض المحتلة حجارة رفض في وجه العدو. لكن خروجه من فلسطين لم يدعه يسلم من سهام النقد التي وجّهت اليه.
وبرغم كل الانتقادات، عاش درويش التجربة بضراوتها ولم تستطع ان تنتزع منه الإنسان المقاوم الذى جُبل فيه، فلم يتحول إلى رثّاء بكّاء على وطن سليب، أو نازح أقعده الشوق والحنين عن مواصلة الشوط ، بل راح يطور نفسه وثقافته وشعره. ودخل المعركة ضد عدو كان أول أهدافه قتل الروح المعنوية عند الإنسان العربي وتجميد دورة الدم فى عروقه . فكانت قصائد درويش تلتهب بالنضال وتبشر بالثورة الشاملة ومفاتيح العودة.
واذا شئنا الحديث عن تجربته الشعرية وخصائصها فان أول ما نتوقف عنده الرموز التي استخدمها بشدة وأغنت مجمل قصائده.
محمود درويش:
“أخبروا السلطان
أن البرق لا يحبس في عود ذرة
للأغاني منطق الشمس
وتاريخ الجداول
ولها طبع الزلازل
والأغاني، كجذوة الشجرة
فاذا ماتت بأرض
أزهرت في كل ارض
كانت الأغنية الزرقاء فكرة
حاول السلطان أن يطمسها
فغدت ميلاد جمرة
كانت الأغنية الحمراء جمرة
حاول السلطان أن يحبسها
فاذا بالنار. . . ثورة!”
تميز الشاعر عن أترابه من شعراء الأرض المحتلة بغزارة الإنتاج وبساطة العبارة وشمولية المضمون وعمق الفكرة التي تمحورت حول موضوع الأرض.
محمود درويش:
“أسمي التراب امتدادا لروحي
أسمي يدي رصيف الجروح
أسمّي الحصى أجنحة
أسمي العصافير لوزا وتين
اسمي ضلوعي شجر
وأستل من تينة الصدر غصنا
واقذفه كالحجر
وأنسف دبابة الفاتحين”.
ميزة أخرى في شعر محمود درويش هي “الموسيقى الشعرية”. فصوت قصيدته مسموع كما وصفها عددا من النقّاد وهذا ما يجعل شعره عملا فنيا مسموعا بالأذن والقلب معا.
رحل عنا محمود درويش في التاسع من شهر آب\أغسطس عام 2008 بعد 67 عاما من حياة دأب ينتقل فيها من قمة إلى أخرى أعلى منها دون كلل أو ملل. من مؤلفاته:عصافير بلا أجنحة، أوراق الزيتون، عاشق من فلسطين، آخر الليل، ديوان محمود درويش، أحد عشر كوكبا، الرسائل، عابرون في كلام عابر.
ماذا تقول في النهاية يا شاعر الارض؟
محمود درويش:
اسمي
وإن أخطأت اسمي…
بخمسة أحرف أفقية التكوين لي
ميـم المتيـم والـميتم والمتمم ما مـضى…
حاء الحديقة والحبيبة حيرتان وحسرتان
ميـم المغامـر والمعـد المـستعد لـموته…
الـموعود منفيا مـريض المشتهى
واو الـوداع ؛
الـوردة الـوسطى
ولاء للـولادة أينما وجـدت
ووعد الوالدين …
دال الدلـيل الـدرب دمعه…
دارة درسـت ودوري يدللـني ويدميـني
وهذا الاسـم لــي ولأصـدقائي أينمـا كانوا…

_______