سُهاد

تقاذفتني أمواج السهاد في بحر ليلٍ لا قرار له. تبعثرت بوصلة اتجاهاتي، وتداخلت فيما بينها أوقاتي، حيث لا شمس تنير طبقات الظلام ولا وجه قمر ينير هذا الليل البهيم. وفي لحظة تمسك ببقايا حياة استلّيتعصا بصيرتي الواهنة أتحسس وسادة شاردة سقطت من عربة أحلام عابرة.غادرني ملك الكرى وخدمه دون اكتراث، جفني المتهالكين لم يسقطا على أريكة النوم فبقيت جاحظ العينين، فاقد التوازن أتراقص على طبول صداع يحتفل بجنوني. الخوف من المجهول في زاوية وحدتي حملني إلى بُعد آخر حيث تتلاطم أرواح وأشباح. الزحام شديد في عالم الأرق، أرعبتني أصوات الساقطين في لجة القلق، ضحكات المجانين زلازل صغيرة تخزني كنتوء شوّه صخرة ملساء أحدث شرخًا في قدم أعرج أعشى. قافلة البؤساء تحمل وطنًا بأكمله إلى سراب الأرض الموعودة. تتلاطم أجسادنا فنتراشق اللعن، ونتبادل السباب.

تبًا لتلك اليد التي استعانت بي على حين غرّة فأفقدتني لذّة النسيان العابرة. تخليت عنها خوف العدوى من وباء أطلقته مخيلتي كجدار يقيني شرورًا. شرور الآخرين التي برمجنا عليها أساتذة التفرقة فوقرت في عقولنا مقدّسة يوم كرّسها منجّل فشكّل هيولى كياناتنا سدود كراهية للمعبد المجاور، بأفراده ومجتمعه ومعتقداته. بل بلونه، واثنيته ولغته حتى بات كل منا كتلة شك، تتمحور في شرنقة كراهية تفرز فراشة بأنياب تحمل السمّ الزعاف. فراشة تستمد كراهيتها باسم الإله الذي اخترعه رجل دين لا يعرف الخشوع.

أمواج السهاد طبقات، والغرقى كثر. حارس لجّة القلق متمرس بإغراق الناجين قربانًا على مذبح وثن السلطة المعظّم. في جعبته خنجر نصله طويل، حاد يقطع به حبال النجدة التي حاكها الأمل في جسد ما. خفر سواحل الفناء أسماك قرش البشرية تجوب محيطات العدم لتقطف ثمار القلق  المتدلية من أجساد باليه فتتها بحر أجاج. اصراري على الصمود في عصر التردي والجحود أوعز لمجسّاتي بالبحث الدقيق عن سبيل انقاذ. بعد دهر من المعاناة بين طبقات السهاد والقلق وصلت الإشارة بوجود جسم غريب يمكنني التمسك به والعوم إلى شاطئ لا أعرفه. إنها قشة كما أفرزت معرفتي، والغريق يتمسك بقشّة كما يقول المثل. تمسكت بها على مضض فطفت إلى أعلى. سررت بها معجبًا بقدرتها على انتشالي فصرخت بها فرحًا: كم أنت جبّارة قوية، تحملينني دون عناء.

أجابتني دون اكتراث: أنت كيان تافه لا وزن له، أنت عدم.

قتلتني.