زيارةٌ إلى وطنٍ يعيشه أبناؤه كعقوبة..

خاص – “اخبار الدنيا”

 

بقلم د. ميشلين بيطار*

جِئتَ تزورنا لكنّك دخلت مكانًا لا يشبه الأوطان. دخلت حفرةً كبيرة نسمّيها مجازًا “بلدًا”، وحشدًا من الناس يتنقّلون فيه بدافع العادة، لا بدافع الحياة.

تعرف شياطيننا كلّها، و تعرف أيضاً أنّنا لا نحاربها، بل نعيش معها، كما يعيش السجين في زنزانته : مضطرًّا، مستسلِمًا، بلا أمل.

هذه الأرض التي باركتها، هي نفسها التي باعها أبناؤها واحدًا واحدًا،. وسقتها الحروب بالدم أكثر ممّا سقَت أطفالها بحليبٍ و أمان… أرضٌ تمارس الكره كطقسٍ يوميّ وتنسى معنى الغد.

تقول إنّ لبنان “رسالة”. لكن الرسالة تحتاج قارئًا، ونحن منذ زمن طويل فقدنا القدرة على الفهم وعلى الرغبة في الفهم.

تتحدّث عن صمودٍ أسطوري، ونحن مجرّد بشرٍ أنهكتهم الهزائم وتعايشوا مع الألم حتى صار عادة.

استقبلتك الطوائف كلّها، لا لأنّها متصالحة، بل لأنّها بارعة في التمثيل، وفي صناعة لحظةٍ نظيفة فيما تعيش حياةّ مختلفة.

صافحوك بإبتسامات خادعة.. وفي صدورهم حروبٌ مؤجّلة تنتظر فرصةً واحدة لتشتعل.

جِئتَ تتحدّث عن الأخوّة. لكن هنا، الأخوّة مجرد كلمة تُقال كي لا يُسمَع صرير البغض. هنا، الكلمات بلا لحم، بلا ظلّ، بلا أثر.

ربّما أنت لم تزر شعبًا، بل زرت فراغًا كبيرًا يلبس ثياب بشر. وربّما نحن لم نعد نحتاج إلى بركات ولا إلى صلوات فقط ، بل إلى صدمةٍ تهزّ هذا الخدر، أو إلى حقيقةٍ أخيرة تقول لنا بلا مواربة: لسنا كما نعتقد… ولا كما ندّعي… ولا كما نُحبّ أن نبدو.

نحن مجرّد جماعةٍ تختبر الحياة كعقوبة، وتنتطر الموت كاستراحة، ولا تعرف أين تضع نفسها بينهما.

شكراً على زيارة وصلت بركاتها لقلّة من أبرياءٍ أنقياء القلوب، بينما غرق الباقون في الخوف والبغض ولعنة الطوائف…!

—————————————-

*كاتبة وطبيبة لبنانية

📢 اشترك بقناتنا على واتساب
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.
انضم الآن