زهرة الآلام..!

 
بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي *
 
على ما يبدو بات ألأفلاس قسريآ سواءً في السياسة المصرفية المالية و الاقتصادية ألمتبعة أو في أداء السلطة ألسياسية ألقاصرة عن ايجاد المعالجات و الحلول ، أما الشواهد فكثيرة لا حاجة لذكر تفاصيلها يكفي ان الليرة اللبنانية في مرحلة الاحتضار أمام الدولار الاميركي و أن الحركة التجارية عنوانها إغلاق المؤسسات و تسريح ألعمال و الموظفين و صولآ إلى الطواقم ألطبية و ألتمريضية ، واقع لا يمكن نكرانه بألتزامن مع الإفلاس السياسي الذي بلغ ذروته في العجز عن تشكيل حكومة ريادية قادرة على انتشال البلاد من المأزق و قعر الهاوية ؛ تحوز ثقة الشعب اللبناني من منتفضين في الساحات او منكفئين في بيوتهم أسرى انتظار قاتل ..
على صعيد آخر ، لم تكن الغيرة من قبل روسيا ألإتحادية و بعض دول الغرب على ألوطن السليب من ألأفعال “ألجرائم” ألمتمادية للطبقة ألأوليغارشية ألحاكمة ناتجة عن المصالح ألاستراتيجية لكل منها
أو رؤى جيو سياسية مستقبلية فقط ، إذ أن ألعامل ألإنساني و ما يكتنز هذا ألثغر من أسس حضارات عدة منذ فجر ألأبجدية و التاريخ لا يمكن تجاهله ناهيك عن خصائص شعبه و خصوصيات تنوعه ألفريد الفذ و الرائع حيث الثقافة تمتزج مع القلب و الوجدان ..
 
إنطلاقآ من هذا الواقع المتأزم ألحالي و ألأهتمام ألدولي بدا كلام السفير الروسي في لبنان “ألكسندر زاسبيكين” التاسع من الشهر الماضي بمثابة جرس إنذار في رؤيته العميقة للواقع اللبناني و الأزمة الاقتصادية الخانقة إضافة الى الوضع النقدي المخيف ، و إذا كان قد وجه أصابع الاتهام في حينه الى الولايات المتحدة الاميركية من انها تحاول إحداث الفوضى في لبنان عبر فرضها جملة شروط سياسية في اقلها تطبيق العقوبات المالية و المصرفية بغرض تجفيف مصادر التمويل لحزب الله إلا ان ذلك لا ينفِ إرتكابات السلطة السياسية و اهمالها الوضع المعيشي للعامة و تلكؤها عن مكافحة الفساد و تصويب ألأداء في إهمال واضح للمعالجات و لو آنية في حدها ألأدنى ..
 
هذه اللامبالاة أللامفهومة إستوت في فكر ألجمهور ألشبابي منه خاصَةً نوعآ من إزدراء أو إستخفاف بحراكهم فكانت الشرارة التي أشعلت إنتفاضة عَمَت الساحات و الشوارع على اختلاف إنتماءات شاغليها مذهبيآ و سياسيآ و طبقيآ كما تفاقم الغليان الشعبي الذي وصل الى نقطة اللارجوع ، بينما بدا التعثر الفاضح لاحقآ في ترتيب أولويات الدولة سواءً بالتواصل مع الناس و المباشرة الجدية بالإصلاح المنشود أو من خلال الورقة الاقتصادية الإصلاحية كلامآ في ألهواء و حبرآ على ورق “لا يُسمِن و لا يُغني عن جوع” تبعه استقالة الحكومة من مهامها و لو بتصريف الأعمال فإزداد ألطين بلة ..
 
من جهة أخرى ، و في حديث امام احدى ألقنوات التلفزيونية في معرض رده على تصريحات السفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان أكد ألسفير زاسبيكين: “أن ما نراه هو الدور الاميركي التخريبي في لبنان و ليس شيئآ آخر”..! من هذا ألمُنطلق ثَبُتَ بروز تداخل اللعبة الدولية و صراع المحورين إضافةً لقوى خارجية أخرى ممتزجآ مع حراك الشارع ألمطلبي فَتبنى محور شريحة منه في حين شجع ألآخر آخَرين مما عقد الأمور و شكل عامل ضغط إضافي أدى إلى قِسمَة الشارع أللبناني عاموديآ بين مع و ضد رغم ان الهموم و ألمآسي التي تترى واحدة يفترض أن توحد لا أن تفرق ..!
بألتزامن ، وجد أهل الانتفاضة او الثورة أنفسهم و ألأمر لا يعنيهم من حيث ألمبدأ و أيضآ من حيث جوهر إحتجاجاتهم في خضم ألتنافس الدولي الاستراتيجي بين قطبي الصراع ، في حين لجأ كِلا ألأخيرين كألمعتاد إلى الستارة ألمهترئة متمثلة بألمنظمة الدولية ، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي أول أمس بيانآ بألإجماع تضمن : “ألطلب من جميع الأطراف الفاعلين اجراء حوار وطني مكثف و الحفاظ على الطابع السلمي للتظاهرات عن طريق تجنب العنف و احترام الحق في الاحتجاج “؛ مشيدآ بدور الجيش اللبناني و المؤسسات الأمنية بحماية حق التظاهر ..!
توازيآ أبدت مجموعة العمل ألدولية لأجل لبنان التي تضم سفراء الدول الخمس الكبرى حرصها الدائم على الاستقرار الداخلي و استتباب الوضع الأمني و الذي كان متبلورآ مسبقآ بالدور العاقل الذي أضطلع به الجيش اللبناني في ألتعامل مع المواطنين و ضبط الشارع مانعآ تفلته من الضوابط ..!
 
في نفس ألوقت ألمحتدم كان الحراك ألديبلوماسي ألأميركي واضحآ لجهة جس النبض في إمكانية تحقيق ألأهداف إن لم نقل التوجيه لإحرازها ، في حين أن ألديبلوماسية الفرنسية و هي ألأحرص كانت كعادتها وحيدة في سعيها لتصحيح ألبوصلة و تهدئة ألأوضاع ، بألتالي الدفع نحو الحلول الاقتصادية و السياسية مطلقةً زيارات عدة لمبعوثيها إلى بيروت ، إضافةً إلى اجتماع باريس الفرنسي البريطاني الاميركي المشترك و الذي خصص قسمآ كبيرآ من مناقشاته للأزمة اللبنانية المستفحلة ..!
 
في سياق مُتَصل ، ربما كانت زيارة المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية “ريتشارد مور” يوم أمس الى بيروت في حدها الأدنى استطلاعية كما بدا حتى ألآن ، إلا أن لقاءه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا و ألذي أتبعه بتصريح مقتضب جاء فيه : “أن بريطانيا تدعم أي حل يتوافق عليه اللبنانيون و تشجع على الإسراع ب تأليف حكومة جديدة من دون أن يعنيذلك تدخلا في الشؤون الداخليةاللبنانية“، يؤكد أن زيارته تشكل ايضآ استكمالآ لزيارة مدير دائرة الشرق الاوسطوشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسيةكريستوف فارنو” و ألمساعي الفرنسية .. إستطرادآ من ألثابت أن تلازم و تتابع زيارات ألموفدين ألدوليين إلى لبنان مؤخرآ تُوحي بما لا يدع مجالآ للشك أن ألأزمة ألحالية في ذروتها و “إن وراء ألأكمة ما وراءها” كما أننا عن نتائجها و مآسيها لغافلون ..!
 
خِتامَآ ؛ و بعيدآ عن مسحة التشاؤم التي علت وجوه الرؤساء الثلاثة خلال العرض العسكري الرمزي في مقر وزارة ألدفاع بمناسبة عيد الاستقلال ، فإن برعم الجمهورية ألثالثة قد تفتح في ألساحات نابتآ من بين شقوق ألصخور الطائفية و المذهبية و الزبائنية ، هو برعم زهرة ألآلام Passiflora incarnata يتفتح و تسمى أيضآ “زهرة العاطفة الحمراء” Passion Flower حيث تدخل مكوناتها في تركيبة ألعديد من الأدوية المستخدمة كمهدئات لإزالة ألتوتر و علاج الأرق Insomnia على أمل أن تكون إنتفاضة ألآلام ألحالية ألعلاج ألأخير لجمهوريتنا السعيدة .
 
بيروت في 26.11.2019
*كاتب و باحث .