زعماؤنا اللصوص … يُنَفِّخون على النيران المستعرة لإخمادِها

 

 

 

 

بقلم : عباس صالح*

مراوحة…

هذا هو عنوان المرحلة التي تطبع عمل السلطات في لبنان، على كل مستوياتها، وبكافة فئاتها. لكأن المسؤولين في بلاد الارز، و”مرقد العنزة” ينتظرون، كعادتهم، أمراً خارجياً خارقاً يشبه العجيبة، أو المعجزة، لينتشل البلاد من قعر الهاوية الذي أوصلوها إليه، بعدما سلبوا ثرواته الطبيعية، وأمعنوا في سرقة ما تبقى من فلوس في خزائنه، مما جعل الدولة مفلسة مالياً وسياسياً وادارياً وحتى أخلاقياً…

للأسف، فإن كل ما يجري حتى الآن يدل على خفة المسؤولين واستهتارهم في معالجة هذا الانهيار الشامل، ويمكن لأي مراقب لتلك المحاولات الخجولة من بعض المسؤولين أن يسجل انطباعاً بأنه كمن رأى حريقاً هائلاً يلتهم مدناً بأكملها، فيما أجهزة الاطفاء والحماية المعنية تحاول إخماده بالنفخ على النيران!

أكثر من ذلك…هنالك إمعان مريب مستهجَنْ، يتمثل بالاصرارعلى تكليف المتسببين بشكل مباشر بالانهيار انفسهم، وتكليفهم بحلِّهِ، مع علم الجميع ان المقترحات والنظريات التي يتم التداول بها حتى الآن لا تؤدي الا الى السماح لهم بالاستيلاء على ما تبقى من ممتلكات غير مسيلة للدولة اللبنانية، وبيعها وتقاسم اموالها بالتحاصص بين أركانها والقيمين عليها.

على مثل هذه الحال تنطبق تماماً المقولة الشهيرة:”حاميها حراميها”.

فمن يراقب سيرورة الامور وتعاطي الحكام في لبنان معها، سيكتشف بلا أدنى عناء ان المسار الانحداري الذي يسلكه لبنان في الشق المالي والاقتصادي على وجه التحديد، ما زال هو المتبع في تقديم الرؤى المتعلقة بالمعالجات المفترضة، وان المسؤولين عن الانهيار المريع، والمقصود، هم أنفسهم من يتولون الصياغات المختلفة لخرائط الحلول، وهم من يرسمون الطرق والمقترحات التي لا تحتاج عبقريات فذة لاكتشاف انها مجرد اجراءات تزيد من السقوط في الانهيار أكثر فأكثر، وتتيح سرقة ما تبقى من املاك للدولة بعد تسييلها، وتطيل عمر المراوحة في الأزمة بأحسن الاحوال.

هذا ما يحصل بالضبط مع معظم رموز النظام وفرقائه، وإن جاهر بعضهم كذباً بأنه لا يوافق وخاصة اولئك الذين يمارسون شتى الألاعيب المفضوحة لتضييع الارقام الحقيقية المسروقة والمنهوبة من خزينة الدولة وطمس كل انواع الصفقات والسمسرات، وإخفاء “الشنكاش” أي تضييع الاثر للجريمة وطمس كل الادلة على جرائم العصر الأكثر إثارة، فضلاً عن دورهم المريب في التشويش على كل النظريات الاصلاحية التي تصدر من الحكومة، وضرب مصداقيتها وبعثرة الارقام الحقيقية التي تقدمها الحكومة لصندوق النقد الدولي، والعمل على إثارة التشكيك بها، من خلال تقديمهم أرقاما مغايرة ومناقضة ومتناقضة بهدف إثارة الغبار حول أرقام الحكومة واعطاء انطباعات لصندوق النقد الدولي بأن لبنان الرسمي غير متفق بعد على الارقام النهائية للخسائر، وان مكونات السلطة نفسها، وعلى اختلافاتها، لا تعرف ماذا يجري في هذا السياق، وأن الخسائر حتى الآن بسيطة ومعقولة ولا تستدعي تدخلاً من المنظومة الدولية، وتزيين حل بيع أصول الدولة وممتلكاتها، بما يرمي في نهاية المطاف الى تقاسم ما تبقى من موجودات في لبنان، ربما على قاعدة “الغيرة” وإن بمفعول رجعي، ممن سبق وغرفوا من خزائن الدولة عندما كانت ممتلئة.

على أي حال، فإن الكلام في هذا السياق لا ينتهي، ولا تقف المخالفات الجسيمة عند فريق معين بل تتعداه الى عموم الطبقة السياسية التي تتحكم بالبلاد وتتقاسم خيراتها بفعل إجادتها لاستثارة النعرات الطائفية والمذهبية عند الاستحقاقات الرئيسية وخلال الازمات المفصلية التي تهدد امتيازاتها.

وللأسف فإن القطعان الطائفية تُستثار وتمشي على كل الالغام السياسية عندما تشعر بخطر محدق بزعامة الزعيم، او بمن حوله، مهما كان متجذراً في اللصوصية ومتورطاً في سرقتنا …

وعلى ذلك يمكننا الترديد مع الشاعر:

 

“نلومُ زماننا والعيبُ فينا

ومَا لِزَمَانِنَا عيبٌ سِوَانَا”.

——————-

* رئيس تحرير موقع “الدنيا نيوز”