رملٌ ورمادٌ..!

 

بقلم: العميد منذر الايوبي*

 

أتى إنسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ألإيراني 5+1 في بدايات عهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب مَحَط تساؤل لدى بعض الدول ، رفض لدى اكثرية تتزعمها الدول الأوروبية و أطراف الاتفاق ، تشجيع من قلة على رأسها الكيان الصهيوني مُراهِنة على اخضاع إيران سلمآ أو حربآ أو على الأقل كف يدها عن الإقليم و تعطيل الأوراق الممسكة بها على الصعيدين الجيوسياسي و العسكري . تبع ذلك فرض عقوبات إقتصادية تجارية و مالية تم تشديدها مؤخرآ عبر حصار يمنع تصدير النفط و المواد الأولية الإيرانية تزامنت مع تهديدات متبادلة عالية النبرة مترافقة مع ارتفاع متصاعد للتوتر في المنطقة و الإقليم وصولآ إلى جدار فاصل فَإما “حرب أو لا حرب”.؟؟

من جهة أخرى ، رغم أن القدرة العسكرية الإيرانية لا تقارن بألترسانة العسكرية الاميركية الأولى في العالم فإن ما أعدته طهران من استعدادت و سيناريوهات سيجعل ساحة ألمواجهة الجغرافية تشمل معظم المنطقة و الإقليم بما يؤدي حَتمَآ إلى معادلات جيو سياسية جديدة ليس فيها رابح
أو خاسر مهما كابر أو تكبر محوري الصراع ..

إزاء كل ما تقدم ، رفعت إيران شعار “لا حرب لا تفاوض”.!! من المؤكد ان العقلانية و البراغماتية لدى البيت الأبيض و قصر سعد آباد “شميرانات” تفرضان أللاحرب ، أما التفاوض فمن الممكن حصوله في لحظة سياسية مناسبة مقنعة للفريقين لم تعد مستحيلة أو بعيدة اليوم ، إذ ان تراجع كلا الطرفين عن شفير هاوية الحرب خطوة واحدة يعني قبولآ منتظرآ طرفآ ثالثآ “سويسرا- قطر- سلطنة عمان” للجلوس على الطاولة المستديرة تحاورآ توصلآ إلى إتفاق جديد يحتاجه الرئيس الاميركي ترامب قبل الانتخابات الرئاسية للإيفاء بوعده تجاه ناخبيه المتمثل أولآ بعودة فتيان المارينز إلى الديار و ثانيآ و ثالثآ كفاءة تضمن الناقة الخليجية حَلْؤبَآ حتى آخر قطرة من دولار لإنجاز مشاريع و بنى تحتية تحتاجها معظم الولايات ، كذلك فأن إيران بأمس الحاجة إلى توقيع أوراق اتفاق منصف وفق رؤيتها ألاستراتيجية بما يضمن اخراجها من خلف قضبان الحصار إثباتآ لصمودها ، نجاعة في سياستها و توطيدآ لنظامها ..!

أما المتضررين أو المعترضين من صقور الإدارة الاميركية فلن يرعووا عن متابعة جهودهم لإفشال ما ذُكِر ، لجملة أسباب تبدأ برغبتهم إسقاط الدور الإقليمي الذي تلعبه طهران في غزة و سوريا و العراق و اليمن و لبنان و غيرهم و لا تنتهي بمتابعة تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية و تمرير “صَفعة ألعَصر” التي سيسددها صهر الرئيس الاميركي جاريد كوشنير و رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو مُنهية حل الدولتين و متماهية
مع مصالح إسرائيل ألإستراتيجية التي لا تتردد في فرضها ..!

تلقف “حشمت الله بيشة” رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني اعلان الرئيس ألاميركي دونالد ترامب بتصفير قرار الحرب على إيران بالدعوة إلى حوار بناء يلبي مصالحهما كما سُجِلَ في نفس السياق :
*زيارة ألرئيس السويسري يولي ماورر Ueli Maurer واشنطن و لقاءه نظيره الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض ساعيآ لتبريد الأجواء توصلآ إلى تسوية الأزمة .
*لقاء حصل يوم امس جمع السفيرين الإيراني و البريطاني المعتمدين لدى العراق .
*اعلان وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو انه طلب من ألشركاء الأوروبيين المساعدة في تخفيف حدة التوتر .
*تصريح وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير “إن المملكة لا تريد حربآ ولا تسعى إلى ذلك ،و ستفعل ما في وسعها لمنع قيامها و في الوقت ذاته تؤكد أنه في حال اختار الطرف الآخر الحرب فإن المملكة سترد على ذلك وبكل قوة وحزم و ستدافع عن نفسها و مصالحها”.
*تغريدة للرئيس الاميركي على صفحته الرسمية إن “الإعلام الإخباري المزيف يضر ببلادنا بتغطيته المدلسة وغير الدقيقة حول إيران”.
*دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لعقد قمة خليجية و أخرى عربية في مكة بتاريخ 30 أيار ألجاري بهدف بحث الأوضاع في المنطقة العربية و الاعتداءات الأخيرة في ميناء الفجيرة و إستهداف العمق السعودي بطائرات مسيرة “خط أنابيب شرق-غرب”. يُذكر أن دعوة الملك سلمان لعقد القمتين الخليجية والعربية ستأتي متزامنة مع القمة الإسلامية .
*اتصال هاتفي بين ولي العهد الأمير السعودي محمد بن سلمان و وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حسب ما اعلنت وزارة الاعلام السعودية جرى فيه بحث تطورات الأحداث في المنطقة و الجهود الرامية لتعزيز أمنها و إستقرارها .

في تصريح لافت لقائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي صباح اليوم الأحد أن :
“إيران لا ترغب بألحرب لكنها لا تخاف منها”. بألمقابل التحركات الميدانية في مياه الخليج العربي و الفارسي تتناقض مع تصريحات التهدئة ، هذا الوضع يأتي ضمن السياق الطبيعي فإستدارة قائد الحرس الثوري في تصريحه اليوم لا يعني إنعطاف الأسطول الاميركي فورآ و العودة إلى قاعدته في خليج سان دييغو San Diego ، إستطرادآ لا إعتراضآ قال رئيس اللجنة النووية في البرلمان الإيراني مجتبى ذو النور ان “الحرب ضد إيران ستمهد لحرب عالمية ثالثة و لا توجد دولة في المنطقة قادرة على خوض حرب ضد إيران”.

خِتامَآ ، ربما في حرب عالمية ثالثة قد لا تتمكن طهران من تحويل حاملة الطائرات USS Lincoln و القطع البحرية المرافقة لها إلى رماد ، لكنها مقتنعة انها تستطيع جعل دول الجوار على ضفة الخليج الأخرى تلال من رمل ..! ما يتوجب على الإيرانيين تذكره و هُم له واعون أن الحرب العالمية الثانية انتهت بقنبلتين نوويتين و إنتصار ، أما ألحرب الثالثة فربما من باب الصدفة قد تنتهي بثلاث
و ليس هنالك من منتصر ..

بيروت في 19.05.2019
*عميد متقاعد ، كاتب و باحث في الشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.