حين صارت الحرب أغنية…!
خاص – “أخبار الدنيا”

بقلم د. ميشلين بيطار*
تساءل صديقي كيف أنّ ما يحصل عادة بعد انتهاء النزاعات لم يحصل في لبنان..؟
حيث لم تَحلّ المراجعة مكان التعبئة الإيديولوجيَة المنهارة ، بل حلّ مكانها الهتاف، والأغاني، واستعادة الشعارات ذاتها وكأن الحرب لم تنتهِ.
في التجارب المعروفة، تنهار التعبئة عندما يبتعد الفرد عن الجماعة الضاغطة، يستعيد فرديّته ويعود إليه صوته الأخلاقي. عندها يظهر ما يُعرف بـ الجرح الأخلاقي؛ فالصدمة لا تكون فقط مما رآه المقاتل، بل مما فعله أو سكت عنه.
في لبنان، لم يحدث هذا الانهيار، لأن التعبئة لم تتوقّف أصلًا. في لبنان، الحرب انتهت شكليًا
لكن الخطاب الحربي استمر و”العدو” لم يُنزَع عنه طابعه «النجس» والذاكرة لم تُفتح، بل أُغلِقت بالقوة.
المدني هنا لم يُمنَح فرصة المراجعة، لأن الزعيم لا يزال ذاته والسرديّة لا تزال ذاتها والخوف يُعاد إنتاجه يوميًا.
ثم إنّ الاعتراف بالظلم يهدّد الهويّة الجماعيّة،
بينما يبقى الإنكار أسهل من الحداد.
المقاتل يرى الدم، يلمس الجسد ويعرف الثمن. أما المدني المُعبَّأ فيستهلك العنف كخطاب ولا يختبر نتائجه المباشرة فيبقى متطرّفًا بضمير هادئ. وهذا أخطر.
ما نعيشه في لبنان ليس غيابًا للضمير، بل تعليقًا قسريًا له وتوريثًا للخوف وتقديسًا لسرديّة واحدة. لبنان لم يتجاوز الحرب،
بل حوّلها إلى هوية..
وسؤال الحقيقة هنا ليس: هل حصل الظلم..؟
بل: هل نملك شجاعة أن نراه دون أن ننهار..؟
حتى الآن كثيرون لا يختارون الغناء صدفة، بل يختارونه هروبًا: هروبًا من الذاكرة، من الاعتراف، ومن السؤال الذي لو طُرح بصدق، لانهدّت معه السرديّة كلّها…!
—————————
*كاتبة، وطبية لبنانية
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.