حكومة في البازار السياسي

 

بقلم : د. غسان الخالد

لا أعرف أن كانت كلمة بازار كلمة عربية في الأصل، ولا أريد أن أعرف أصلها اصلا، ولكني اعرف جيدا أن هذه الكلمة كنا نستخدمها ولا زلنا للدلالة على سوق المواشي، حيث تتم عمليات البيع والشراء وفق مقايضات يعرفها كل التجار وتعرفها كل الأسواق.

ويبدو أن الحكومة اللبنانية المنتظر ولادتها، هي الآن معروضة في البازار، ويبدو أن بعض أسعارها قد تحدد، والبعض الآخر في طريقه التحديد، وهو ما يعني إتمام صفقة البيع والشراء وولادة الحكومة العتيدة في البازار الذي تولد فيه.
ما هو الجديد الذي تحمله الحكومة الجديدة؟.

حتى اللحظة كل ما يشاع عن حكومة تفرج اسارير الناس وتعطيهم جرعات امل (ليس الحركة بالطبع)، وتفاؤل، غير مطروحة على الإطلاق. ذلك أن ثمة ثوابت تشكل قاعدة انطلاق التأليف وهي حقيبتا المال والصحة على ما يبدو. وان صحت هذه الثابتة، مع أختها الدفاع، فثمة حقائب باقية في هذا البازار السياسي، وتوزيعها بين السنة والموازنة. ومن هذه الحقائب الداخلية والتربية مقابل الطاقة والخارجية. فهل تنجح عمليات المقايضة المطروحة؟ وماذا يعني نجاحها؟.
في الواقع لا يتغير شيئا إذ سبق أن أعطيت الداخلية لوزيرين على الأقل أحدهما مدني والآخر عسكري، وشاهدنا آثار وجود هذا العسكري في تلك الحقيبة من صيدا إلى عكار. وثانيا سبق أن أعطيت الطاقة للسنة. وبالمناسبة فإن الطاقة هي من أكثر الوزارات سيادية بفعل ما ينتظر منها في أكثر من ملف، كالكهرباء والنفط والسد د… وربما غيرها. لكن وفي هذه الحالة ما الذي يكون قد تغير خلال عام انصرم على استقالة حكومة المكلف، خصوصا وأن البازار مفتوح يبدو بين القطبين المختلفين ظاهريا والمتفقين من تحت الطاولة أو عبر وساطة العم الذي يعتبر الصهر احد كفتي الميزان ولو على حساب الوطن. مع العلم ان الجميع في البازار يتعاملون وفق مصالحهم وليس وفق المصالح الوطنية.
في هذا اللبنان لا يخفى على أحد شيئا، فنحن أشبه بحارة ضيقة أو قرية صغيرة، الكل فيها يعرف الكل. التكتم حول التشكيل لن يؤتى ثمره لأنه سيعرف لاحقا وسيكون سببا لحراك آخر وخصوصا ان بوادره باتت تتشكل، وربما سيكون هذا الحراك أقوى من سابقه لأن الجميع سيشارك به حتى ولو تم تخوينه، ذلك أن اللائحة المطالبية ازدادت عن العام المنصرم، وانا اتفصد هنا استخدام المنصرم بدل الماضي أو الذي مضى، لدلالته المعرفية في الريف وفق الخزان الثقافي الذي نمتلكه والعائد إلى الأمثلة الشعبية المتوارثة.
ما الذي يكون قد تغير إذا اعطي ثلث معطل لهذا الفريق أو ذاك؟، مع تفهمي الجيد للواقع اللبناني السياسي وطبيعة التركيبة السياسية للقوى التي جاءت بفعل قانون انتخابي اعوج أعرج، باهت ومتخلف ارتضته السلطة تلبية لرغبات بعض القوى في بازار المساومات بغية إعادة إنتاج نفسها وقد نجحت في إعادة الإنتاج هذه.
لماذا تراجع الحريري عن شروطه بعيد استقالته؟، ولا أحدا يستغبي عقولنا بمقولة المحافظة على الوطن، الذي فرطت به هذه القوى السياسية ذاتها. وطبعا انا اقول ذلك لاني اعرف ان الخطاب الحريري غالبا ما يرجع تنازلاته، ويربطها بالمصلحة الوطنية.
أن البازار المطروح، وان صحت الأخبار المتسربة قصدا أو عن غير قصد، سيضع الجميع أمام مشكلات خطيرة سوف تترجم بحركات ربما تكون غير مسبوقة، وقد تواجه بحراكات مضادة. هو ذا ما يقوله غرامشي عن الثورة المضادة التي تكون لقوى السلطة ذاتها لكنها بشخصيات ممثلة لها توحي بثقة مؤقتة لكنها سرعان ما تنكشف. إننا فعلا في بازار، وأنه لحق القول فيه أن بازار سياسي، فلننتظر الغد وان غدا لناظره لقريب.


طرابلس 10/28/ 2020