حالات واحتمالات أمراض القلب عند المرأة الحامل .. وكل التغيرات الفيزيولوجية

 

بقلم : الدكتور طلال حمود*

-1التغيرات الفيزيولوجية خلال فترة الحمل :
يتسبب الحمل ببعض التغيرات الفيزيولوجية التي تزيد من مخاطر أمراض القلب والشرايين ،بما يترتب عليها من زيادة عمل القلب والحاجة إلى ضخ كميات أكبر من الدم .ومن أهم هذه التغيرات زيادة تدريجية تبلغ 50% لحجم الدم الموجود في الأوعية الدموية، وهذا ما يشرح حالة  فقر الدم الفيزيولوجية التي نراها خلال فترة الحمل ،وزيادة تبلغ 30 إلى 50% لكمية الدم التي يضخها القلب والتي تبلغ أقصى حد لها في الشهر الخامس للحمل ،وهذا ناتج عن عاملين مهمين هما :
أ- توسع الأوعية الدموية الخارجية وتسرع ضربات القلب، وهذا ما يتسبب أيضا بإنخفاض الضغط الشرياني خلال الفصلين الأول والثاني للحمل لكي يعود إلى حالتة الطبيعية في الفصل الأخير منه قبل الولادة .
ب- خلال مرحلة الولادة هناك أيضا عمل إضافي للقلب يساوي 30 إلى 50% مع أرتفاعات مفاجئة في عمله خلال فترات أنقباض الرحم عند الولادة ،وهذا ماقد يشكل أيضا عبئا إضافيا على القلب، خاصة ما إذا كان  الاخير مصاب بمشاكل معينة فيما قبل.
ولا يعود عمل القلب إلى حالتة الطبيعية مباشرة بعد الولادة ،ويبقى مرتفعا قليلا خلال الأيام التي تلي الولادة بسبب أزدياد كمية الدم التي تصل إلى القلب عبر أوردة القسم الأسفل من القلب وأزدياد كمية الدم التي تملأ القلب خلال هذه الفترة، وتأثير أشباع الجسم بالهورمونات النسائية في هذه الفترة. ويجب إنتظار فترة تتراوح بين شهر وشهرونصف بعد الولادة لكي تعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، ولكي تعود تعود نسبة الخطر من مشاكل قلبية إلى نسبتها الطبيعية .


كل ما تقدم يشرح لنا لماذا تعاني المرأة الحامل من بعض الأمراض القلبية كضيق النفس والتعب وتورم الساقين وتنفخ أوردة الرقبة وبعض الأضطربات في ضربات القلب. وكذلك نرى عندهن كثيرا من حالات  التسرع في ضربات القلب عند تخطيط القلب ،ونشاهد توسعا في حجم الأذين الأيسر والبطين الأيسر على الصورة الصوتية للقلب.
وفي مجال آخر يتسبب الحمل بزيادة بعض عوامل تخثر الدم، ويزيد عمل صفائح الدم وتخف مقاومة الجسم للتخثر ،وهذا ما يتسبب بزيادة كبيرة في مشاكل تجلط الدم خلال الحمل .
2- تأثير الحمل على بعض الحالات المرضية :

أ- مشاكل أرتخاء الصمام الأبهر أو التاجي :
بشكل عام إن هذين المرضين يتحسنان كثيرا خلال الحمل بسبب التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث خلال هذه الفترة، ووجود هذين المرضين وحتى ولو كانا في مراحلهما المتقدمة لايمنع الحمل .
وننصح عادة المرأة الشابة المصابة بهذين المرضين بإنجاب الأولاد بسرعة قبل تقدم المرض، على أن تخضع لعملية تغيير أو ترميم للصمام المريض فيما بعد. وفي حال تم إكتشاف هذين المرضين خلال الحمل لايشكل هذا دافعا  لإيقاف الحمل. ومن الممكن علاج الأمراض الناتجة عن هذين المرضين بواسطة كميات قليلة من مدرات البول ،وبعض الأدوية الأخرى التي تساعد عضلة القلب .ويجب مراقبة المريضة بشكل دقيق والتعاون الوثيق بين الطبيب النسائي وطبيب البنج وطبيب القلب وإدخال المريضة إلى المستشفى في آخر الحمل من أجل الولادة، ونفضل الولادة الطبيعية تحت تأثير بنج موضعي (Epidural anesthesia) .

ب- مرض إنسداد الصمام التاجي  (Mitral  stenosis ) :
هذان المرضان يتطوران بشكل خطير مع الحمل بسبب أزدياد كمية الدم في الجسم وزيادة كمية الدم التي يضخها القلب خلال هذه الفترة .ولذلك هناك خطر كبير للأصابة بحالات الإحتقان الرئوي الحاد ،خاصة بعد الشهر الخامس من الحمل. وكذلك هناك خطر لأزدياد مشاكل تجلط الدم، خاصة عند المرضى اللواتي يعانين من إنسداد الصمام التاجي. ولذلك يجب علاج الأعراض الناتجة عن هذا المرض عن طريق الأدوية المناسبة التي نستعملها عادة في علاج قصور القلب واللجوء إلى عملية توسيع الصمام التاجي للقلب عبر التمييل( الطب التدخلي للقلب)  في الحالات التي تكون فيها المرأة بحالة حرجة رغم تناول الأدوية المناسبة .

وهذه العملية لا تخلو من بعض المخاطر، ويجب أجراؤها بعد الأسبوع العشرين من الحمل ،ويجب حينها قطعا حماية الجنين من الإشعاعات خلال إجراء العملية  لعدم تعرضه لخطر التشوهات الخلقية بسبب ذلك .

وفي كل الحالات يجب مراقبة المرضى المصابات بهذا المرض، وذلك عن طريق إجراء صورة صوتية شهرية لمراقبة إزدياد الإنسداد في حال الإنسداد المتوسط الأهمية ،والقياس الدوري لمساحة الصمام المتبقية  ،ولتوسع الأذين الأيسر وقوة ضح العضلة اليسرى للقلب وإرتفاع الضغط الشرياني الرئوي لتحين الفرص للتدخل، أي انه   يجب في كل الأحوال  دراسة إمكانية إجراء عملية توسيع للصمام عند المرضى اللواتي يعانين من إنسداد يتطور بسرعة  في هذا الصمام، وحتى ولو كان ذلك بدون أعراض مهمة، خاصة إذا كانت المرأة ترغب بالحمل لأن العلاج المبكر يجنبها كل الإختلاطات التالية.

ج-إنسداد الصمام الأبهر(Aortic stenosis) : وهو مرض نادرجدا عند المرأة الشابة التي ترغب بالحمل ،وقد يكون سببه خلقيا أو ناتجا عن إلتهابات الحمى الروماتيزمية التي تصيب الأطفال (Rheumatic fever ) .
وبشكل عام فإذا كانت المساحة المتبقية من الصمام  أكثر من 1cm2 وفرق الضغط بين البطين الايسر والشريان الابهر اقل من   50 mm.hg  ،فإن الحمل ممكن دون مشاكل .أما إذا كانت المساحة اقل من  1cm2  وفرق الضغط أكثر من 50 mm.hg  فإن هناك خطرا أكبر بكثير  ،ويجب العلاج الدوائي، وفي بعض الحالات قد نضطر إلى إجراء عملية توسيع للصمام الأبهر بالبالون. ويجب المراقبة المستمرة خلال الولادة ونفضل هنا  الولادة القيصرية لمنع تدهور حالة المرأة خلال الولادة ،لأننا قلنا سابقا ان الجهد الذي يقوم به القلب عند عملية الولادة متعب جدا له، ويعرض المرأة لمخاطر كثيرة. ولايجب في كل الأحوال إجراء العملية الجراحية لتغيير الصمام اثناء الحمل، إلا إذا كانت حياة الحامل في خطر كبير وإلا إذا لم ينفع العلاج بواسطة التمييل .

د- توسع الشريان الأبهر (Aortic dilatation or aneurysm):
وهو مرض نادر يتوسع خلال حجم الشريان الأبهر الخارج من القلب، وتزداد معه إحتمالات تمزقه او إنسلاخه (Aortic dissection)   .وبما أن الحمل يتصاحب مع زيادة في حجم كمية الدم التي يضخها القلب، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة مخاطر تمزق الشريان الأبهر عند المرضى اللواتي يعانين من هذا المرض. ولذالك فإذا كانت المرأة تحمل هذا المرض وترغب في الحمل ،فإن المراقبة بواسطة التصوير الصوتي والطبقي المحوري أو الرنين المغناطيسي للقلب ،تسمح بقياس حجم الشريان الأبهر .وإذا كان قطره اقل من   40 mm ، فإن الخطر قليل والحمل مسموح . اما إذا كان حجم الشريان الأبهر أكثر من mm45 فإن العملية الجراحية تصبح مفضلة قبل الحمل الذي قد يقود المريضة إلى مخاطر كبيرة في هذه الحالة.

أما إذا أكتشفنا هذا المرض عند امرأة حامل خلال فترة الحمل،فإن الخطر قليل في حال كان الشريان الأبهرقطره يساوي  40 mm  ويزداد بشكل كبير إذا كان الشريان الأبهر قطره اكثر من  45 mm .ولذلك يجب وصف الأدوية التي تخفض الضغط الشرياني وتخفض ضربات القلب (Beta-Blockers)  والمراقبة المشددة جدا لحجم هذا الشريان كل شهر وبعد الولادة.
وإذا بلغ حجم الشريان 50 mm فإن إيقاف الحمل يصبح منطقيا، لأن ذلك يعرض حياة المريضة لخطر كبير ،ويجب في كل الأحوال ان يكون القرار جماعيا وبالتنسيق بين طبيب القلب وجراح القلب والطبيب النسائي وطبيب البنج والتخدير بعد قياس كل المخاطر المحدقة بحياة المريضة.


أما بالنسبة للولادة  فمن الممكن أن تكون طبيعية في حال كان حجم الشريان الأبهر أقل منmm  40 ،وقيصرية في حال كان الأبهر أكبر من  mm45 وما بين الـ 40 و  mm 45 فكلا الخيارين ممكن .

كل ما تقدم ينطبق أيضا على المرضى اللواتي يعانين من مرض الصمام الأبهر الخلقي الذي يسمى مرض الأبهر الضاحك (Bicuspid aortic valve) وهو يتصاحب غالبا مع توسع في الشريان الأبهر الذي يخضع للمعاير ذاتها ا لتي يخضع لها مرضى توسع الشريان الابهر التي اشرنا إليها سابقا.

ه- الصمامات المعدنية والحمل : يشكل حمل المرأة التي تحمل صماما معدنيا حالة فيها خطورة كبيرة بسبب تعرض المرأة لزيادة كبيرة في مشاكل تجلط الدم خلال الحمل ،وخطورة النزيف الناتج عن الأدوية التي يجب تناولها لعلاج ذلك المرض، اي لمنع إنسداد او تجلط الصمام.  فكما أشرنا مسبقا، هناك زيادة كبيرة في عدد كبير من عوامل تجلط الدم خلال الحمل ،وهذا ما يزيد بشكل كبير من إحتمالات تعرض الحامل لخطر إنسداد الصمام  التي قد تتراوح نسبتها بين 9%  من الجلطات الخارجية، اي في الأطراف والأعضاء الأخرى، 5% من حالات النزيف،  5%  من حالات الوفاة . كذلك وتزداد أيضا الجلطات في الأوردة  والجلطات الرئوية بمعدل 3 أضعاف .
في المقابل هناك ايضا خطر على الطفل، وهو ناتج عن إمكانية إصابته  ببعض التشوهات الخلقية، إذا تناولت الأم بعض أنواع الأدوية خلال الثلاثة اشهر الأولى من الحمل ،وكذلك خطر النزيف الدماغي مع تناول بعض أنواع مضادات التجلط. ولذلك على الطبيب في كل الأحوال إعلام مريضته   بكل المخاطر التي تتعرض لها في حال قررت الإستمرار في الحمل في هذه الحالة .
وبشكل عام فأن مضادات الفيتامين K من الممكن إستعمالها خلال الفصل الثاني والثالث من الحمل وفي الأسبوع الـ 36 منه ،على أن نستعيض عنها بالأدوية الأخرى المضادة للتجلط(Heparin)  في الفترات الاخرى من الحمل وخاصة عند إقتراب فترة الولادة لمنع النزيف خلال هذه الفترة.   ويجب في كل الأحوال مراقبة فعالية هذه الأدوية خلال الحمل بشكل متكرر بسبب ماذكرناه أيضا حول  أزدياد نسبة تخثر الدم خلال الحمل .

و- الأمراض الخلقية للقلب والحمل :
1- التشوهات الخلقية الزرقاء : وهي أمراض خطيرة يكون فيها ثقب بين البطينين أو الأذينين اوقناة بين الشريان الأبهر والشريان الرئوي،  ويكون هناك أرتفاع خطير للضغط في الشريان الرئوي ما يخفض بشكل كبير نسبة الأوكسيجين في الدم ، وهي أمراض خطيرة مترافقة مع نسبة خطورة عالية على المرأة التي تزيد مع  الحمل  وتتسبب في زيادة مفرطة في الوفيات عندهن .ولذلك لايسمح للمرأة التي تحمل هذا النوع من الأمراض بالحمل بسبب الخطر الكبير على حياتها، وإذا تم أكتشاف حمل عندهن يجب إيقافه في أسرع وقت ممكن .

وهناك التشوهات الخلقية الأخرى الزرقاء دون أرتفاع في الضغط الرئوي والتي يجب دراستها كل حالة بحالة وبشكل دقيق من قبل طبيب القلب المتخصص في هذا المجال (تشوهات خلقية) وهي لا تخلو من مخاطر كبيرة على حياة الأم التي قد تعاني من إضطربات خطيرة في ضربات القلب وخطر ضيق التنفس بشكل كبير خلال الحمل والولادة ، ولذلك يجب الإستشارة بشكل مفصل قبل الحمل.
2- التشوهات الخلقية غير الزرقاء:  وهي قد تتسبب بزيادة خطر الأصابة بإضطراب ضربات القلب والقصور القلبي في بعض الحالات، لكن الحمل قد يكون دون مشاكل مهمة عند اللواتي يحملن هذه الأمراض .

وأخيرا : إن المرأة التي كانت تعاني من التشوهات الخلقية للقلب وتمت معالجتها جراحيا ، من الممكن بشكل عام أن تحمل ولايشكل ذلك مشكلة بالنسبة لها ،ولكن ذلك يجب أن يكون بعد دراسة مستمرة لملفها الطبي من قبل طبيب القلب الذي يتابعها ،وإجراء كل الفحوصات اللازمة التي تؤكد شفاءها التام والكامل من كل أعراض ذلك المرض ،مثل  إرتفاع الضغط الرئوي ، قصور عضلة القلب الأيمن ، قوة القلب الأيسر ، وغيرها من المؤشرات، وبعد ذلك يعطي الطبيب الأذن أو لا بالحمل وكيفية المتابعة لاحقا.


*طبيب قلب تدخلي