جوسـﭙـﭙـي غاريبالدي … بطل توحيد ايطاليا

 

 

“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف

 

يعتبر أحد ابطال حقبة توحيد ايطاليا في القرن التاسع عشر لكن صيته عمّ قارة أوروبا
وأميركا. إنّه جوسـﭙـﭙـي غاريبالدي أحد قادة حركة التوحيد الايطالية.
ولد غاريبالدي في مدينة نيس الإيطالية في حزيران عام ألف وثماني مئة وسبعة. كان والده يعمل في صيد السمك، لكنه وفّر لابنه تعليماً جيداً، وقد هدف من هذا إلى إعداده للانخراط في سلك رجال الدين. ولكن جوسـﭙـﭙـي فُتن بحياة البحر ومغامراته، فعمل بحارا ثم تاجراً ونجح في ذلك.
عصر غاريبالدي:
على مدى قرون ، كانت أرض إيطاليا تتقاسمها عدة ممالك وإمارات. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر غدت مقسّمة إلى عدة ممالك، مملكة البيدمونت في أقصى الشمال الإيطالي وعاصمتها تورينو وملكها فيكتور عمانوئيل. وفي الجنوب كانت مملكة نابولي يحكمها آل بوربون الفرنسيون، وفي الوسط المقاطعة البابوية، أما البندقية ولومبارديا فكانتا تحت حكم النمسا المباشر. ومع تنامي المشاعر القومية في أوروبا بداية القرن التاسع عشر، أخذ الإيطاليّون يتطلّعون إلى تأسيس كيانهم السياسي المستقل والموحد، وقد تزعّم هذا الاتجاه السياسي الإيطالي ماتزيني زعيم جمعية إيطاليا الفتاة.
فرقة القمصان الحمراء:
عمل غاريبالدي ضابطا في سلاح البحرية الملكي التابع لإمارة سردينيا الإيطالية، قبل أن ينضم إلى جمعية “إيطاليا الفتاة” عام ألف وثماني مئة ثلاثة وثلاثين. شارك غاريبالدي ماتزيني في ثورة مملكة البيدمونت عام ألف وثماني مئة وأربعة ثلاثين لكن الثورة فشلت فغادر ماتيزيني بلده ولجأ إلى لندن، فيما توجّه غاريبالدي إلى البرازيل حيث عمل في التجارة مدة قصيرة، قبل أن يتوجه إلى الأوروغواي ليقاتل معها في صراعها الحدودي مع الأرجنتين. خلال هذا الصراع شكّل غاريبالدي بمشاركة زوجته أنيتا دي سيلـﭭـا فرقة عسكرية من المهاجرين الإيطاليين، أطلق عليها “فرقة القمصان الحمراء”، التي تحوّلت إلى ما يشبه الأسطورة بعد انتصارها في معركة سان انطونيو عام ألف وثماني مئة وستة وأربعين.
عاد جوسِـﭙـﭙـي غاريبالدي إلى إيطاليا عام ألف وثماني مئة وثمانية وأربعين وشارك في القتال ضد الفرنسيين. وسرعان ما عمل مع زوجته أنيتا على تشكيل مليشيا فرقة مكوّنة من خمسة آلاف خيّال من المتمرّسين في حرب الجبال، وحقّق أول انتصار في تحرير لومبارديا في شمالي ميلانو من سيطرة التحالف الفرنسي النمساوي. وفي عام ألف وثماني مئة وتسعة وأربعين انضم غاريبالدي إلى الحكومة الثورية التي تشكّلت في روما، ولكن بعد أن خلع الثوّار الجمهوريّون بابا روما، قاتلهم غاريبالدي، وغدوا أعداء اليوم بعدما كانوا حلفاء الأمس. ولكن سرعان ما وضع غاريبالدي خلافاته جانباً وقاتل إلى جانب الجمهوريين دفاعاً عن روما بوجه الغزو الفرنسي النمساوي الذي جاء لإعادة السلطة البابوية. ولكن، مع طلب القوات الإيطالية الهدنة، حوصرت روما، فانسحب غاريبالدي بقواته تحت ضغط المطاردة النمساوية لجيشه الشعبي، واتجه إلى شاطئ الأدرياتيكي، قبل أن يرحل مع زوجته إلى نيويورك ليعود للعمل في السفن التجارية، ثم مزارعاً.
عام ألف وثماني مئة وأربعة وخمسين نشبت حرب الاستقلال الإيطالية، فأحس غاريبالدي أن الواجب الوطني يناديه، فاستدعاه الزعيم الثوري كاﭬـُر إلى مدينة تورينو، وهناك ظهرت كفاءته قائدا عسكريا مرة أخرى. ولكن الخلاف نشب بينه وبين كاﭬـُر، الذي كان يسعى لتحقيق وحدة محدودة في شمال إيطاليا. ولكن غاريبالدي كان يطمح إلى ضم وسط إيطاليا إلى هذه الوحدة، وأبدى امتعاضه لعدم السماح له باستمرار زحفه إلى روما لتأسيس حكومة موحدة تحت حكم الملك فيكتور عمانوئيل. وعندما ثار شعب صقلية على حاكمهم وجد غاريبالدي في ذلك فرصة تاريخية لتحقيق حلمه.
في السادس من أيار عام ألف وثماني مئة وستين، قاد غاريبالدي الزحف التاريخي لما عُرف بمسيرة ألف رجل ممن يلبسون القمصان الحمراء الى جزيرة صقلية واستطاع الاستيلاء على عاصمتها باليرمو. وأقام في الجزيرة حكومة مؤقتة تحت شعار “فيكتور عمانوئيل هو ايطاليا” واستعد للزحف الى نابولي. وتمكّن الجيش الشعبي من عبور مضيق مسّينا فعبر الجنوب الايطالي واحتل نابولي وقضى على مملكتها وخلع آل بوربون من الحكم ، ونادى بالملك فيكتور عمانوئيل ليكون أول ملك على ايطاليا عام ألف وثماني مئة وواحد وستين بعد ضم صقلية ونابولي رسميا الى مملكة ايطاليا.
على الرغم من ولاء غاريبالدي المطلق له، ، فإن الملك فكتور عمانوئيل خشي من تنامي نفوذه وشعبيته ، ومن تأثير أتباع جمعية إيطاليا الفتاة فيه، وخاف أن يبادر هؤلاء إلى إعلان قيام جمهورية مستقلة في جنوب إيطاليا، فعزله من قيادة جيشه، ثم امر بحل هذا الجيش نهائياً. فغادر غاريبالدي نابولي الى جزيرة كابريرا حيث مزرعته الخاصة، وبرغم ما تعرّض له من نكران الجميل، إلا أنّه كان يتطلّع إلى تحقيق حلم جديد، هو تحرير روما وﭬـنيسيا من الاحتلالين الفرنسي والنمساوي، وضمّهما إلى مملكة إيطاليا المستقلّة. وقد تحقق هذا الهدف ولكن بطريقة غير متوقعة، فقد هُزمت النمسا أمام بروسيا عام ألف وثماني مئة وستة وستين ونتيجة لذلك تخلّت عن ﭬـنيسيا وأعادتها لايطاليا. وفي عام ألف وثماني مئة وسبعين غلبت بروسيا فرنسا وتهاوت إمبراطورية نابوليون الثالث، فعادت روما عاصمة تاريخية لايطاليا الحديثة الموحدة ، التي تشكّلت إثر ذلك.
لم ينل غاريبالدي في حياته التكريم المطلوب، فقد تجاهلت الطبقة السياسية الحاكمة خدماته التي قدمها في سبيل الوحدة الإيطالية، فهو لم يكن سياسياً بل كان عسكرياً بارعاً، قاد مقاتلين غير نظاميين، ولكنه لم ينسجم مع التناقضات التي حكمت المجتمع الإيطالي خلال مسيرة وحدته.
توفي غاريبالدي بعد أن غدا شبه منسي عام ألف وثماني مئة واثنين وثمانين. وسرعان ما أعيد اعتباره من خلال مكانته في وجدان الشعب الإيطالي، ومحبته له، واليوم ترى اسمه يطلق على العديد من الشوارع في إيطاليا فضلاً عن تماثيله المنتشرة فيها، وقد بات يعرف لدى بـعض الناس ب”أبي ايطاليا الحديثة”.