اهتمامات أميركا الاستراتيجية : إلى الصين دُر

ألرأي ألسياسي- الولايات المتحدة تخسر الحرب.
بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

«لقد خسرنا الحرب» عبارة غردها على منصة تويتر الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب عام 2018 معلقآ على ما عرف بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ معلنآ ان العجز التجاري الاميركي يبلغ 500 مليار دولار اضافة الى 300 مليار دولار ناتجة عن سرقة حقوق الملكية الفكرية، و هذا امر لا يمكن السماح باستمراره..
من هذا المنطلق ودون الدخول في الاحصائيات والدراسات الاقتصادية والتحليلات سواء لجهة الديون او الناتج المحلي الاجمالي أو رفع التعريفات الجمركية المتبادلة الخ.. فإن ما هو واضح ان الرئيس السابق ترامب اعتبر ويعتبر ان التبادلية التجارية الصينية غير عادلة وهو راهن من خلال قراراته ولو ان تأثيرها سيكون ضعيفآ او محدودآ على المدى القصير، إلا انها ستكون لصالح اقتصاد بلاده مستقبلآ.!

من جهة أخرى؛ بين نيويورك وبكين مسافة جوية لخط مباشر تبلغ حوالي 11000 km و الرقم 11 ايضآ من حسن او سوء الصدف قد يساوي المسافة الزمنية او عدد السنوات المرتقبة القريبة القادمة لتكون الصين الدولة الاولى في اقتصاديات العالم .. تاليآ، ضمن ثوابت الارتباط بين السياسة والاقتصاد وهما وجها مسكوكة Coin واحدة في نقوشها تكامل الاول مع الآخر. لا شك كما بات جليآ ان واشنطن تسعى لفرملة بلوغ الصين هذه المرتبة عبر زيادة الضرائب على المستوردات ووضع قيود على شروط الانتاج اضافة الى عقوبات على اشخاص و كيانات الخ.. في اعاقة للنمو الصناعي والتجاري المتسارع و التطور التكنولوجي الذي قارب التعادل، اضافة الى السير في بناء القوة العسكرية وبصورة خاصة البحرية بحجم ووتيرة غير مسبوقة تسمح لها “الصين” باعتماد المساومة او الشراكة لا الاذعان لاية شروط ومن اية دولة لتكون “القوة” في خدمة الاهداف المرسومة سواء في السياسة أم الاقتصاد..!
توازيآ؛ القيادة الصينية تتبع على المدى البعيد استراتيجية الجنرال الصيني والفيلسوف Sun Tzu في كتابه (فنون الحرب) «ان الاصوات الخافتة والحركات الناعمة ما هي الا طقوس يمارسها النمر قبل ان ينقض عَلى فريسته». كما انها اعتمدت عدة مباديء لتحقيق قفزتها النوعية متضمنة: تأمين الاستقرار، دعم وتعزيز الموارد، التطور التكنولوجي، الانتشار التجاري الموسع، بناء القوة العسكرية الرادعة. كما توطدت لديها نظرية العصف الذهني Brain storming كثقافة تسمح للأجيال بولوج كافة الافكار والابحاث في كل المجالات والاتجاهات بما يسمح بالخلق والتطور و الابداع..

في سياق متصل؛ ليس من منازع امام الولايات المتحدة الاميركية، هي الدولة الاولى في العالم على كافة المستويات، اقتصاديآ، تجاريآ، ماليآ، تكنولوجيآ وعسكريآ. لكن السؤال الاساسي لدى الخبراء والمحللين الاستراتيجيين هو الى متى.؟
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشيوعية عام 1991 انتهت سياسة القطبين وكذلك الحرب الباردة، أصبحت الكرة الارضية تدور على محور واحد قطبه الولايات المتحدة. لكن عشرون عامآ مضت منذ وصول ضابط الاستخبارات السابق KGB فلاديمير بوتين الى سدة الرئاسة كانت كافية لبناء روسيا القيصرية من جديد لتعود القطب الثاني في حكم الكوكب، كما لا من مناص على ما يبدو من مرحلة ثلاثية القطب “اميركا- روسيا- الصين”. لكن الامور مرهونة بتغير الظروف الداخلية في الولايات المتحدة وتصحيح مسارات او العودة عنها على صعيد العلاقات مع الحلفاء كما مع الخصوم سَبَقَ ووضعها او انتهجها الرئيس ترامب..

اما السؤال الثاني فهو هل تتحول الحرب التجارية الباردة التي اشعلها الرئيس السابق ترامب الى مرحلة الغليان على مرجل القوى العسكرية.؟ الامر مستبعد كليآ في ظل ادارة الرئيس جو بايدن وسياسته في ادارة حكم ومصالح الولايات المتحدة، فالمفترض ان تكون العلاقات اقل صرامة أو عدائية، وهو ما تبلور بداية في ان اول مكالمة هاتفية اجراها الرئيس بايدن بعد دخوله المكتب البيضاوي كان مع نظيره الرئيس الصيني “شي جين بينغ” لخص مضمونها بضرورة الحفاظ عَلى منطقة المحيطين الهندي والهاديء حرة منفتحة، مع اولوية الحفاظ عَلى ازدهار وامن كلا البلدين.
بِالمقابل يَبقى الدولار الاميركي سلاح الاخضاع الاقتصادي، وتبقى القوة العسكرية سلاح بسط الهيمنة أو النفوذ، ما يترجم حاليآ بالسعي لبناء تحالف آسيوي جيو استراتيجي مواجه يضم اليابان – الهند- اوستراليا وقد تنضم اليه دول اخرى لاحقآ كأندونيسيا مثلآ.. كما ان ألأسطول السابع ومنطقة عملياته غرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي ومقر قيادته اليابان، الذي يضم 70 قطعة حربية بحرية ونحو 40 ألف عنصر، مؤشر على تحول الاهتمام الأمريكي نحو مواجهة تعاظم القوة الصينية، مع الاشارة الى ان حاملات الطائرات الاميركية التابعة للاسطول تتمركز بصورة شبه دائمة في الممر الاستراتيجي المعروف ب “بحر الصين الجنوبي” حيث تمر ثلث الشحنات التجارية العالمية في مياهه..!

 

اما نتائج الحرب التجارية ان بَقيت مشتعلة بين القوتين الاقتصاديتين الاعظم واشنطن وبكين فتأثيراتها سَتكون كبيرة سواء في تعدادها ام تفاصيلها ولَن تتوقف عند كليهما ، إذ ان انعكاساتها وارتداداتها ستشمل دول العالم وستهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، اذ ستطال الخسارة الجميع، مِما يعني حتمية او ضرورة رسم حدود نهاية الكباش، والسير بتسوية باتَت ضرورية في ظل جائحة COVID عَلى تنوع ارقام تحولاته Mutation المخيفة.
لكن الموضوعية في قراءة اوراق ملف التسوية الممكنة ستفرض حتمآ عدم الاكتفاء بواجهة او ببند انهاء او تهدأة الحرب التجارية ولو كانت هي الامر الاساس، اذ ان تحول الاهتمام الاستراتيجي من الشرق الاوسط الى الجنوب الاسيوي لدى الولايات المتحدة بات اولوية حيوية، كما ان تطور القوة العسكرية الصينية المتسارع يشكل احد البنود المطروحة، لا سيما بعد بناء حاملات الطائرات الضخمة التي اصبح عددها خمس، ما يشكل تغييرآ في العقيدة العسكرية الدفاعية عن الاراضي الصينية والمرمزة ب (سور الصين العظيم) الى القدرة على الهجوم خارجها.

خِتامَآ؛ الموضوع كبير وشائك يحتاج صفحات، لكن اللافت المحزن إن إهتمام العالم ومعظم دوله بقضايا الكوكب ومنها الحرب التجارية الصينية – الاميركية او غيرها، لا تعني ولا تشغل بال الدولة اللبنانية و حكماء الجمهورية، فقضايانا ومصائب شعبنا ونوائب دهرنا تقف عند اعتاب المستحيل المرمز ب الحصص والصلاحيات والحقوق والاعداد، بالتزامن مع انحدار مريع لمستوى التعاطي و آداب السلوك السياسي لم يشهده لبنان او تشهده احدى دول العالم من قبل. يقول Sun Tzu :”القيادة والسيطرة على اعداد كبيرة من الاتباع ، شأنها شأن السيطرة على عدد صغير ، فالامر هو في توزيع الاعداد ليس الا”.!
والى القائد او الزعيم يقول: “انظر الى اتباعك كأنهم ابناؤك ستراهم يتبعونك الى أقاصي الدنيا .. اعتبرهم اولادك الاحباء ، ستراهم يقفون الى جوارك في أحلك الظروف”. هَل بين مسؤولينا مِن يقرأ.؟

————-

*عَميد،كاتب وباحِث.
بيروت في 23.02.2021