انتفاضة «6 شباط»… المقاومة الطريق الوحيد الى التحرير

 

بقلم : الدكتور طلال حاطوم*

لم يكن البحر في ذلك الوقت يتسع لطيور النورس وأساطيل العالم.
فقرر النورس الهجرة نحو بيروت والضاحية، رغم تلبد سمائهما بنذر العاصفة، ولكن الأمل كان يحدوه بإشراقة شمس الصدر لتكشح بقرار الرئيس نبيه بري غيم الضيم عن النوارة.
يخطىء من يؤرخ للانتفاضة بـ 6 شباط.
فالسادس من شباط 1984 كان يوم بلغ فيه السيل الزُّبى، بعد أن تراكمت كلُّ وحول العصر الإسرائيلي في نهر التسويات المنفردة من كامب ديفيد، إلى اجتياح 1982 واحتلال سيدة العواصم العربية بيروت، إلى اتفاق 17 أيار المشؤوم.
كانت مقولة العهد يومذاك، من لم يرض بالهيمنة فهو ضد العهد، ومن لم يقبل المذلة فهو خارج على القانون، ومن طالب بالعدالة الاجتماعية والمساواة فهو إرهابي.
وكان إيمان ثلة من الرجال الرجال الذين أعاروا جماجمهم لله بأن لا سبيل إلى الخروج من العصر الإسرائيلي الذي بدأ يتحول إلى فرض تطبيع إلا بالمقاومة التي هي الطريق إلى التحرير من رجس الاحتلال وإفرازاته في الداخل.
6 شباط صوِّرت وقتها على أنها صراع داخلي بين طوائف وملُل.
ولكن التاريخ أثبت أنها كانت محطة مفصلية في تاريخ لبنان، بل والمنطقة، أسست للاتفاق الثلاثي في محاولة لوقف هدير الحرب، ولإتفاق الطائف للحوار والتوافق، ولبناء دولة المؤسسات، وللعصر العربي عبر بوابة سوريا الأسد.
السادس من شباط كان ضرورة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، كان تصويباً للبوصلة باتجاه العمق العربي، كان نصيراً وظهيراً حمى المقاومة والمقاومين الذين همهم تحرير لبنان بسواعدهم، وأسس فعلياً لعصر المقاومة الذي كان فجره قد بزغ في معركة خلدة عملاً بما قاله الإمام المغيب القائد السيد موسى الصدر، بأن لبنان المسالم الضعيف هو طابور خامس في جسد العالم العربي وان قوة لبنان بمقاومته وليس بضعفه.
عشية السادس من شباط 1984 كان لبنان محكوماً بالحديد والنار من حاكم هدد من واشنطن بإسقاط آخر مداميك الصمود في عرين العروبة دمشق، للحفاظ على وهم السلام المزعوم في اتفاق 17 أيار.
سيوف عربية أكلها الصدأ لطول بقائها في غمدها، حتى ما استل منها كان لطعن العروبة في خاصرتها.
حُكمٌ أراد الجيش فئوياً ومطية لاستعباد الشعب وقهره، وأردناه وطنياً وخشبة خلاص ومدافعاً أول عن المواطن والوطن على خط المواجهة الحقيقي ضد العدو الإسرائيلي كما هو اليوم بقيادته وضباطه وجنوده الشرفاء.
قبل السادس من شباط كان لبنان على جهة الضباب، وبعده بدأ قوس قزح يتلون على الطرف الآخر، وقفاً للحرب واتفاقاً للحوار وبداية لعصر بناء الدولة والمؤسسات.

————-

* كاتب سياسي، اعلامي وباحث