النرويج ساحة المواجهة ..!

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي *

الزمان: فجر متكرر غير محدد التاريخ. -المكان: القاعدة الجوية الروسية. -الطقس: جليدي رطب، درجة الحرارة 35- مع رياح تبلغ سرعتها 40Km/H. -المشهد: سرب القاذفات الروسية نوع SU-24 التابع للفوج القتالي الجوي 98 يقلع من القاعدة الجوية Monchegorsk الواقعة بالقرب من مدينة Murmansk Oblast شمال-غرب. -غرفة العمليات الجوية: وضع سرب الطائرات المقاتلة Mikoyan-MIG 31 المعروفة لدى الحلف الاطلسي بإسم Foxhound في حالة الجهوزية للتدخل.
-المهمة: تمرين تدريبي يحاكي هجومآ في اتجاه المنطقة الدفاعية الحرجة حيث مدينة Vardo المتاخمة للحدود مع روسيا أقصى الشمال الشرقي النرويجي.
-التنفيذ؛ التحليق على ارتفاع 35000 قدم فوق بحر “بارنتس” Barents Sea ثم الاستدارة 180درجة عند نقطة محددة الاحداثيات يلي ذلك مرحلة الاقتراب ثُم الانقضاض و تدمير منظومة رادارات GLOBUs-2 الاميركية، المستخدمة لتتبع إطلاق الصواريخ الباليستية الروسية العابرة للقارات ومراقبة تحركات و أنشطة الأسطول الشمالي الروسي التابع للقيادة الاستراتيجية المشتركة الروسية بأمرة الادميرال Alessandro Moiseyev و المتمركزة في مدينة Severomorsk ..!

 

-الوضع الحالي للعدو او الخصم الغربي : الثاني من شهر شباط 2021 يصل فريق من الخبراء و العسكريين التابعين لسلاح الجو الاميركي يقدر عديدهم بحوالي 200 عنصر الى قاعدة “أورلان” Orland الجوية-منطقة “ترودنهايم” Trodeheim النرويجية Norway، تحضيرآ لتنفيذ قرار وزارة الدفاع الاميركية القاضي بتمركز 4 قاذفات استراتيجية نوع B-1B Lancer خلال الفترة من 7 الى 20 الشهر الحالي. حيث ستوضع بتصرف الجنرال Tod Wolters قائد القيادة العسكرية الاميركية المقاتلة الموحدة في اوروبا EUCOM و مقرها الرئيسي مدينة “شتوتجارت” الالمانية، و هو في نفس الوقت يشغل أيضآ منصب القائد الاعلى لقوات الحلفاء في اوروبا المنضوية تحت لواء حلف شمال الاطلسي NATO. مع الاشارة الى ان القاعدة تستخدم حاليآ من قبل سرب المقاتلات F35 -Lightning 2 المتطورة و مجموعة المروحيات المقاتلة Sea King-MK43B. -المهمة: تعزيز القوة الاميركية المنتشرة في النرويج، العملية المرمزة بعبارة “الرباط عَبرَ الاطلسي”. Transatlantic Ligament إضافةً الى ردع روسيا عن القيام بأي عمل عسكري عدائي، من خلال القدرة على المرونة الاستراتيجية Strategic Flexibility لمواجهة استباقية Preemptive في اية حرب مقبلة او محتملة مع القوات الروسية التقليدية و النووية و غواصات القوة البحرية الاستراتيجية الضاربة العاملة في بحر الشمال، وذلك دفاعآ عن الشمال الاقصى الاميركي. اما في النتيجة فالمؤكد ألأولي ان تموضع سرب القاذفات في Orland base سيكون له تداعيات سلبية ليس بالنسبة لموسكو فقط بل لأوسلو ايضآ.!
-إستراتيجيآ، تشكل الاراضي النرويجية ساحة الصراع الحيوية، مما يفرض على النرويج ان تسعى لتحقيق نوع من التوازن الفعلي بين القوتين المتواجهتين الروسية و الاميركية. هذا التوازن في ظل انعدام آليات السيطرة Control Mechanisms سيفرض في التحفيز و التحشيد تنسيقآ عملياتيآ فاعلآ تؤديه القيادة النرويجية لتلافي اي استفزاز او خطأ محتمل قد يحصل. بالمقابل، تعتبر موسكو ان القرار الاميركي المتزامن مع تنشيط البنية القتالية لحلف الناتو سيرفع من درجة التوتر، في مضمونه العسكري الفعلي وضع القوات العسكرية في حالة الاستجابة Response الطارئة في منطقة القطب الشمالي و دول البلطيق المتاخمة لروسيا، و هذا ما لا يمكن تجاهله او السكوت عنه..

-في قراءة مختصرة للواقع الجيو-استراتيجي: تقوم استراتيجية الامن القومي النرويجي عَلى مبدأ “الدفاع الكامل” Integrated Defense المقصود به تكامل القوة العسكرية مع المدنيين الاحتياطيين في كافة خدمات الدعم (الدفاع المدني- اللوجستية-الصحية الخ..)، و هي تعتبر ان مصدر القلق قدرة الجيش الروسي عَلى غزو دول البلطيق خلال بضعة ايام، قبل ان يتمكن حلف الناتو من نشر تعزيزاته الدفاعية، مِما يفرض تلافي اية مواجهة عسكرية مع روسيا؛ اضافة الى وضع حرج جغرافيآ يتمثل بطول الحدود البرية المشتركة 120 ميلآ تقريبآ و خط الساحل القطبي المواجه حيث يجول الاسطول الشمالي الروسي. مِن هذه المنطلقات الدفاعية وغيرها من المحفزات على الصعيد الجيوسياسي يصبح مِن البديهي ان الصراع سيكون كارثيآ لا سيَما في حال انزلاقه نوويآ، إذ لا يبدو حتى ألآن ان هنالك مؤشرات حقيقية لتلافي ما يحصل في ظل تدهور العلاقات الروسية-الغربية وذلك لاسباب عديدة ليس اقلها تطور الاسلحة الهجومية الصاروخية الروسية كمنظومة AVanguard الفرط-صوتية، القادرة على اكتساح الدفاعات الاميركية وفق المحلل العسكري الاميركي Peter Suciu. إضافة الى تنامي الخطر النووي و سباق ألتسلح، الأمر الذي يوحي بمسار متوتر لا يمكن تجاهله في اولوياته تمديد معاهدة الحد مِن الرؤوس النووية الاستراتيجية START-3 مع مناقشة ثُم لحظ بعض التفاصيل المستجدة بها، كذلك الملفات المعلقة و المتعلقة بكل من مناطق التوتر في شرق آسيا، شرق أوروبا، الشرق الأوسط، القوقاز، البلقان وغيرها..

خِتامَآ؛ يعتبر قادة البنتاغون ان النرويج “الخاصرة الرخوة” إذ انها تشكل خط الدفاع المتقدم الاول عن الولايات المتحدة، كما تعتبر موسكو ان تكثيف النشاط العسكري الاطلسي باتجاه الحدود معها امر محفوف بعواقب سلبية، بالتالي فإن سياسة الاحتواء Containment اصبحت عنصرآ استراتيجيآ مشتركآ، امرآ مطلوبآ و ملحآ مِن ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن، مع رهان مقنع عَلى عقلانيته لنزع فتائل الصراع القابلة للاشتعال في اية لحظة، لا سيَما و ان الدعوة الاوروبية للحوار محبذة تجد آذانآ صاغية لدى الكرملين، مِما سيقلص مِن حجم التوتر القائم و يضمن لَيسَ عدم تحول النرويج فقط ساحة المواجهة العسكرية بَل الكوكب مِن قطبيه..!

—————-

*عميد، باحِث في الشؤون الامنية و الاستراتيجية.