المواجهة الاميركية للتحالف الروسي- الصيني، إلى أين؟

 

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

لا تزال قضية التقارب الصيني- الروسي الى حد التحالف الاستراتيجي موضوعآ قابلآ للبحث والتحليل من قبل المراقبين والمحللين، ورغم رحيل ادارة الرئيس دونالد ترامب ووصول الرئيس جو بايدن الى البيت الابيض، الا ان العلاقات بين واشنطن وبكين تزداد تشنجآ لا بل تدهورآ في ظل قصور ديبلوماسي مقصود وسياسة اميركية متشددة. في العناوين العريضة للاسباب و الوقائع فهي باتت ايضآ معروفة الجوانب والحيثيات، منها على سبيل المثال لا الحصر تطور الاقتصاد الصيني تكنولوجيآ و تجاريآ في سيطرة متقدمة مضطردة على الاسواق العالمية، بالتوازي مع تنافسية لا رحمة فيها مع الولايات المتحدة الاميركية ومن كلا الجانبين، تمثلت في فرض عقوبات اقتصادية، منع دخول بعض السلع التكنولوجية، رفع قيمة الضرائب والرسوم الجمركية الى مستوى غير مسبوق الخ..”.

إستطرادآ، فالنسخة الروسية- الاميركية من العلاقات تتشابه الى حد بعيد مع نظيرتها الصينية- الاميركية، زائد اضافة اساسية لتقدم روسي في المجال العسكري والتصنيع الحربي، يقارب تنافسيآ السلاح الغربي، ان لم نقل متفوق في بعض صنوفه، بدءآ بالاسلحة التقليدية “مدرعات كمنظومة Vityaz المتطورة المخصصة لتوجيه اسلحة مدرعات BMP-3، و BTR-82 AT. ومدافع الهاوتزر “ذاتية الدفع” COALITION-SV”. والذكية ذات القدرات الهائلة في انواع الذخيرة وانماط الرمي”،

اما المنظومات الصاروخية للدفاع الجوي S-400 و S-500 فلا بديل في تفوقها، كما ان الصواريخ الباليستية من مجموعة AVANGARD- Hypersonic ذات الرؤوس النووية والفائقة القدرة على المناورة، فغير قابلة للاعتراض..

من جهة اخرى، ارتفعت حرارة التوتر خلال الأيام الأخيرة، فتجاوزت الفعل الدبلوماسي، الى نشاط عسكري عملياتي في بحر الصين الجنوبي والممرات البحرية يشرف عليها مباشرة قائد الاسطول السابع الاميركي vice Admiral Phillip G. Sawyer وسط جو من الحذر والترقب المتبادل. الخبير الاستراتيجي James Char في جامعة “نانيانغ” للتكنولوجيا يعتبر إن «قوة الصين العسكرية المتعاظمة، تشكل من دون شك تهديدا للدول الآسيوية الأخرى والولايات المتحدة. لكن الجيش الصيني يحتاج إلى سنوات عدة لكي يتمتع بالجهوزية الكاملة، وعليه أن يتوخى الحذر قبل أن ينخرط في معارك فعلية ..!

تاليآ، فرضت الضغوط الاميركية على العملاقين ألآسيويين رفع مستوى التعاون الى درجة التحالف الاقتصادي والعسكري، هذا ما تبلور بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منذ ايام الى بكين، حيث عقد خلالها سلسلة اجتماعات مع نظيره الصيني تناولت التحالف في العمق و الحجم، يشار ان الاجواء الملبدة عبر الباسيفيك اصبحت تحت مجهر المراقبة من قبل الاتحاد الاوروبي مع تشابه في الاجراءات المتخذة الى حد بعيد في تناغم واضح مع السياسة الاميركية.!

هذا العرض المختصر يدفع نحو السؤال الجوهري، ما هو افق المواجهة مع كل من الصين وروسيا لدى الرئيس بايدن واركانه .؟ وما هو الهامش الاستراتيجي الذي من خلاله يمكن ترتيب الاوراق والمصالح ..؟
اذا كانت المواجهة العسكرية الشاملة بعيدة الوقوع، الا ان لاشيء يمنع المناوشات القتالية مع خرق لقواعد الاشتباك من وقت لآخر لا سيما في بحر الصين الجنوبي خاصةً، سيما وان العقيدة العسكرية للجيش الشعبي الصيني انتقلت من الدفاعية “السور العظيم” الى الهجومية “قاتل في منطقة محايدة او في ارض العدو”، وهذا ما ترجم عمليآ بدخول حاملة الطائرات الاولى “Shandong-T002” الخدمة في البحرية الصينية منذ عام ونيف تقريبآ والثانية قيد البناء، اضافة الى الغواصات المتطورة التي تجوب المحيطين الهاديء و الباسيفيكي.

تزامنآ، اذ تعتبر موسكو انها شريك مساوٍ لواشنطن في ادارة شؤون الكوكب، فإن تحالفها الجيوسياسي والاستراتيجي مع بكين سيشكل قيمة مضافة لكليهما. على هذه التراكمات واخرى غيرها لا مجال لتعدادها او شرحها، يبدو ان لا مناص من دخول الدول الثلاث في حرب باردة بنموذج مختلف عن فترة الاتحاد السوفياتي السابق حتمآ، وذلك نتيجة تغير البنى والانظمة على الصعيد العالمي، مما سيجعل علاقاتهما الثنائية او المشتركة على حبل مشدود غير مرن، لها تردداتها الايجابية او السلبية على النظام العالمي ولعقود من الزمن..!
في سياق متصل؛ روسيا والصين بحاجة لبعضهما البعض ضمن علاقة تبادلية ندية على كافة المستويات، وكذا بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. كما ان حزمة التحفيز في الاحتياجات والطموحات لكلا المحورين اكثر من كافية؛ كما ان الزعماء الثلاثة الرئيس فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ والاميركي جو بايدن يمتازون ببراغماتية معطوفة على عقلانية راجحة، مما يعني ان تخفيف حدة التوترات او تجميدها في الحال التي هي عليه رغم التحالفات امر جوهري.


توازيآ؛ حسمت الصين امرها لجهة خياراتها في توسيع نفوذها واظهار قدرتها على مقارعة القطب الاميركي، و هذا ما تبلور مؤخرا في توقيع معاهدات التحالف الاستراتيجي الجديد بين الصين وايران وبالتالي تحقيق (طريق الحرير) الاستراتيجي .! كما ان الغاز الروسي الذي يعتبر شريان الحياة الاقتصادي سيبقى يحتل الاولوية في الاستراتيجية الروسية، ولن تعيق العقوبات الاميركية مشروع خط الغاز North Stream 2 الرابط بين روسيا والمانيا، وكذلك مشروع “خط قوة سيبيريا” The Power Of Siberia. من هنا فإن التحديات التي تواجهها واشنطن في مواجهة الحلف الثنائي ليست سهلة وستفرض عليها اللجوء الى التسويات وهذا ما يناسب الجميع..

بيروت في 31.03.2021
*كاتب وباحث في الشؤون الامنية والاستراتيجية