المشكلة في النظام أم في المنظومة؟

بقلم : توفيق شومان*

فشل أهل السياسة في التوافق ، فحملوا النظام السياسي اللبناني مسؤولية فشلهم وعجزهم ، وراحوا يلعنون النظام صبحا وأصيلا.
أخفق أهل السياسة في إنقاد البلاد من الإنهيار المالي ـ الإقتصادي فألقوا مسؤولية إخفاقهم على النظام الإقتصادي اللبناني ، فلعنوه بعدما نهبوه وأفلسوه .
رفض أهل السياسة الإحتكام الى الدستور ، وهو قاعدة الحكم ، فلم يطبقوه ، ثم رموا مسؤولية عدم تطبيقه على نصوص الدستور و بنوده وفقراته .
لم يعمل أهل السياسة على إنتاج خطاب وطني ، وتعمقوا في إثارة العصبيات والطائفيات ، وغذوا خطاب التحريض والتشرذم ، ثم قالوا إن الناس قطعان من الطوائف ترتعب من بعضها.
هل المرض اللبناني في النظام السياسي ؟ أو في أهل النظام ؟
في الدستور نقرأ التالي :
ـ في المقدمة :
ـ الفقرة ( ه ) : ” النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها “.
ـ الفقرة ( ح ) : ” إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية ” .
ـ الفقرة (ط) : ” أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين ، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون ، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان “.
أين المشكلة ؟ هل المشكلة في الدستور أم في أهل السياسة الذين فروا فرارا من تطبيق الدستور ، فتنازعوا بدل أن يتعاونوا ، وكرسوا الطائفية بدل إلغاء الطائفية ، وأقاموا جدران الفرز بين اللبنانيين ، فبات الحظر النفسي مفروضا على إقامة هذا اللبناني أو ذاك في هذه المنطقة اللبنانية أو تلك؟
الدستور ينص على عدم جواز الفرز ولكن أهل السياسة أكثروا من الفرز وأشباهه وأنسبائه .
في الدستور أيضا :
ـ المادة 12: ” لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة ، لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الإستحقاق والجدارة ” .
ـ المادة 19 : ” ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات النيابية والرئاسية ”
ـ المادة 22 : ” مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي يستحدث مجلس للشيوخ “.
ـ المادة 27 : ” عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء” .
ـ المادة 80 : ” يتألف المجلس الأعلى ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء من سبعة نواب وثمانية من أعلى القضاة “.
ـ المادة 95 : على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية( … ) ومهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية “.
حسنا … أين مجلس الشيوخ وأين الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وأين عمل المجلس الدستوري؟
وهذه أيضا أسئلة لا بد منها : لماذا لم يتم تشكيل مجلس الشيوخ و ماذا عن الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية؟ وأين عمل المجلس الدستوري؟ و ماذا عن انتخاب مجلس نيابي وطني غير طائفي ؟
بحسب الدستور أن النائب في مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ، ولو تم الوقوف على خطاب أغلب النواب اللبنانيين وممارساتهم وسلوكياتهم ، سيبرز السؤال التالي : هل أولئك النواب يطبقون ما نص عليه الدستور أم أن خطاباتهم وأدبياتهم تتوسل وتتسول وتشحذ كل غريزة وعصبية طائفية ؟
واقع حال أغلب النواب والوزراء أنهم هجروا الدستور ونصوص ” الكتاب ” كما كان يسميه الرئيس فؤاد شهاب وهاجروا إلى استبكاء واستدماع العصبيات الطائفية والمذهبية تأسيا مقلوبا بقول الشاعر إيليا أبو ماضي :
هجروا الكلام إلى الدموع لأنهم / وجدوا البلاغة كلها في الأدمع .
صحيح أن النظام السياسي اللبناني ، الذي استمد تعبيراته النصوصية من دستور العام 1926، واستنسخ بعضا منها في ” دستور الطائف ” وتعديلاته بين عامي 1989و1995، لجهة الحضور الطائفي ونسبيته بين المذاهب ، إلا أنه في الحالتين الدستوريتين الأولى والثانية ، كانت روح الدستور تعمل على استدعاء الطوائف إلى الوطن.
ما جرى مع أهل السياسة أو أهل النظام ، نقيض روح الدستور ، فبدلا من استدعاء الطوائف إلى الوطن ، عملوا على إخراج الطوائف من الوطن .
تلك هي الإشكالية الكبرى مع أهل السياسة : أخرجوا الطوائف من الوطن ، وابتدعوا الطائفيات السياسية ، وهذه الطائفيات لا علاقة لها بالطوائف ولا بالدستور .
فالطوائف شيء والطائفيات شيء آخر تماما ، الطوائف مثل اية جماعات أخرى تجتمع وتأتلف وتشكل وطنا محترما ودولة محترمة كما هي أحوال الأوطان المحترمة والدول المحترمة في العديد من بقاع العالم ، وأما الطائفيات كما يمارسها أهل السياسة في لبنان، فلا تصنع إلا تناحرات ونزاعات ودولة فاشلة ووطنا يكاد يكفر به أبناؤه.
حيال ذلك يتقدم هذا السؤال: هل المشكلة في النظام ، ام المشكلة في المنظومة التي اخفقت في إدارة النظام و حادت عن طريق الدستور ونصوصه ومواده وفقراته وبنوده.
عشتم وعاش لبنان
…………………………………………………………………………

*كاتب وباحث ومحلل سياسي