اللاءات الثلاثة …!

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*
منذ 17 تشرين ألأول ألحالي و على مدى أسبوعٍ و أكثر لم تَبقَ منطقة أو مدينة أو دسكرة في لبنان إلا علا صراخ أهلها و ساكِنيها ، نزلوا إلى طرقاتها و خيموا في ساحاتها صالحين صادقين صادحين هي ألثورة ..! توازيآ مع إستدارة ألكَوكَب لم تخلوا عواصم الدول الكبرى و بقع بلاد الاغتراب منهم و أنَىَّ وُجِدوا تظاهروا و إعتصموا بِحَبلِ ألوطن ألغاضب أمام ألسفارات و ألقنصليات متضامنين مَع مَن بَقوا حبآ أو غصبآ إن تمنوا هجرةً و ما إستطاعوا ..!
ضحِكَت ألساحات لَما رأت ، وَ زَهت ألشوارع و ألأوتوسترادات ألوضيعة فَ إحتضنت شعبآ قد تأخر إذ إنتفض إلى أن طفح ألكيل و بلغ ألسيل ألزُبى و هذا قمة ألألم و ألتضحية و ألصبر و هو أَمَرُ و أصعب .. و “لَعَمري” على قول ألرئيس ألشهيد ألرشيد لم يحلم أحد يومآ أو يتوقع قَسَمآ رؤية طرابلس في قلب الله ، هو تمثال والده رجل ألإستقلال عبد الحميد كرامي أزيل يومآ عنوةً من ألساحة ألسداسية و حل مكانه إسم ألجلالة لا إيمانآ بل بهتانآ لِإظهار تدينٍ و مَسخٍ لصورة مدينة نابضة حبآ ، إلفةً و حياة .. كانت ألأيام حينها مستجيرة من حكم ميليشيات بثت ألرعب في المدينة قتلت ذبحت هتكت و هجرت ثم بادَت ..!
ها هو اسم الجلالة في ألليل ألجميل و ألوطن عَليل يلملم شمل الجميع مسلمين و مسيحيين من قنوبين إلى ألرامكين و ألباقي شمال ، حيث أم ألفقير تهبهم ما يريدون بألقرش ألحلال ..! من أحَنُ
على إبناء ألقرى سوى ألطرابلسي ألطيب و ألعكس أكثر من صحيح .. هو نور الله يقول لمن طَغى
و بَغى و تَجبر هذه حقيقتي هؤلاء أبنائي “تعالوا إلَيَّ يا جَميعَ ألمًتعَبين وَ ألثقيلي ألأحمَال وَ أنا أُريحُكُم” إنجيل مَتى (11: 28)، وَ من أكثر مِن أهلِ ألفيحاء مُتعبين مُنهكينَ يَنوؤن بِثقلِ ألفقر وَ شَظف ألعَيشِ وَ ما وَهَنوا أو إرتَهَنوا وَ هُم ألأعلونَ ..؟
بعد أيام على ألإنتفاضة ألثورة قال ألمطران إلياس عودة إبن أنفة ألوادعة ردآ على سؤال بما معناه : “ألفراغ أفضل مما وصلنا إليه”.. هي ألحقيقة و إن مخيفة إذ أنَ ألجوع لَمَّ و ألفَسادُ عَمَّ و إن “فَسُد ألمِلحُ بماذا يُمَلح” قَالَ ألفَادي ..! فَ لماذا ألنكران و خوف ألفراغ ..؟ عندما تقود الحكومة شعبها إلى الخراب مستخدمة طائفية و مذهبية بغيضة فَهذا شبيه الخيانة ألمُقَنَعَة يصبح عصيانها حقَآ من حقوقه لا بل واجبآ وطنيآ وَ قَد دَرى وَ فَعَل ..!
هَذِه الثورة ألإنتفاضة ألغير مسبوقَة في لُبنان و ألشرق ، نهوض ألشَعب للتغيير طموحٌ للحرية و ألتقدم و ألسيادة ألمطلقة ، إلغاءٌ لديكتاتورية ألمثلث و إسقاطٌ لِأوليغارشية فاجرة ، أهدافها نبيلة يفترض أن تصُب في مصلحة الشعب و الوطن سواءً كانت مظاهرها إفتراش ألأرصفة و إلتحاف ألغيوم أم أسرجَت خيولها على خيوط شبكة عنكبوتية تزنر العالم بتطبيقات لا مَرَدَ من قضاءها (Fb-Twitter-Instagram-WhatsApp’) وَ ألقَدَر ..!
هَذِه ألثورة ليست إطاحة ألنظام بَل إسقاط تَسَلُط سُلطة أل 1% على مقدرات ألبلاد و تغييرها حَتمآ، إذ لا نَوَى مِن إصلاحها إن نَوَت “ألثورة” و لا قبولٍ لِتوبتها من حيث هي أداة قمع و تهميش و إفقار ، فساد و إفساد ، حُكام من فئة ألجوازات ألمزدوجة وألحسابات ألسويسرية ألسرية ألبِكر ..! هي تحررٌ لا إنتصار على وَطَن أو فئة “أَ مُقاوِمَة كانت أم مُتخاذلة أو حائِرَة” إنما إنعتاق من طُغاة .! كما أنها ليست سلطة بديلة تَستوي على عَرشٍ بلباس ألكاكي ألقُطني ألمُرَقط بَديلَآ عن ألأحمر ألمخملي ألموَشىّ وَ هي في صيرورتها على مدى تسعة أيام ما فَتَرت تَعلم إستحالة إمتلاك ألضوء .! فَألضوء يَشُع و لا يُمَلَك ..! وإشُعاعهُم أبناؤها وُجَّ في كل ليل بَهيم و ألساحاتُ شَواهِد ..!
من جهة أخرى ، يَبدو أن ألمعالجات لا تزال قاصرة سواء بورقة ألتين ألإصلاحية أو بدعوات حوار تجاوزتها أللحظات بعد تَبَصر شعبٍ و بُعدِ بَصيرة ..! إذ أن معادلة أللاءات ألثلاثة لا إعتراف (بألحراك)
، لا تنازل (عن ألسلطة) و لا محاسبة (للسارقين) هي ألمعتمدة حتى ألآن ..! إستطرادآ لَطالما قيل أن الثورات تسير على البطون الفارغة ، أما ألنزول من ألأبراج ألزيتونية ألرابضة على ألخليج ألبيروتي فهو فِعلُ قناعة و إعادة ألأموال ألمنهوبة إلى مكانها الصحيح في ألخزينة ألخاويَة رغم عيوب ألرضى يحتاج إلى إستسلام عقولٍ واعية إن وُجِدت ..
ماذا بعد ..؟ في ألإستراتيجيا رغم قناعةٍ غير معلنة بصوابية ألمطالب وإسقاط نَهجِ ألفَساد تنظر ألمقاومة إلى ألحراك على أنه “ليس وقتها” لكنها لا تتجاهل علوم ألجيولوجيا ألسياسية إذ لا توقيت مُناسِب لإنفجار بركان خامد و ألقدرة تبرز في تخفيف أضراره و إستيعاب فوائده ، كما أنها تخشى إختراقات لِمسارِ ألثورة من خارج أو داخل قد تُسَهل عَملية تطويقها و سحب بساط ألشرعية من تحت أقدامها سَبَقَ وَ أمَنَتها عبر مشاركتها في ألسلطتين التشريعية و ألتنفيذية ؛ أما ألسلطة ألحالية فتنظر إلى تراكمات و خلفيات ألمشهدية بِهَلَع حيث أن ما قبل إستقالة الحكومة مُرغَمَةً لن يكون كما بعدها. وتشكيل حكومة بديلة سيؤدي إلى تدحرج كرة ألثلج في إنهيار مُدَوٍ لمنظومة فساد تَكشُف ما خَفي وهو أذَلُ و أعظم ..!
هنا يُطرح ألسؤال ؛ هل من أمل في أن تمارس هذه ألدَولَة ألقانون ألأخلاقي الذي تطالب به مواطنيها فتستقيل و تُفسِح ألمجال لغيرها بآلتزامن مع مُحاسبة قضائية نَزيهَةٍ راقيَّة نطوي بها حَقبة من تاريخ أسود و ننتقل إلى ألجمهورية ألثالثة ..؟ ربما يكمُن ألجواب فيما قاله ألفيلسوف ألإلماني “إيمانويل كانط” Immanuel Kant : ليس من داعٍ للتضارب بين ألأخلاقية و ألسياسية ذلك أن ألأخلاق وحدها هي ألقادرة على قطع ألعقدة ألتي لا تقوى ألسياسة على فكها ..!
*عميد،كاتِب وَ باحِث.
طرابلُس . ساحة ألنور (عبد ألحميد كرامي) 25.10.2019