القوس الاستراتيجي الجديد …

بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*

لم تقتصر عملية تطبيع العلاقات في نتائجها المباشرة مؤخرآ بين الكيان الاسرائيلي و بعض الدول العربية كالامارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، دولة السودان والمغرب الخ.. على مد جسور التعاون “المثمر” على ما وصفته الاتفاقيات، سلسلة من حلقات التبادل الديبلوماسي، الاقتصادي، التجاري إضافةً الى مجالات الطاقة والتكنولوجيا، إذ ان “الامن الاستراتيجي” في نواته الاستخباراتيةو قواعده العسكرية المنتشرة مع ترسانته الحربية الهائلة، يأتي في المقدمة الحلقة الاهم المطلوبة، سواء من جانب الدول العربية الخليجية تحديدآ ام من جانب تل ابيب، بعد ان جمعتهما ايران بصفتها العدو ألأوحد المشترك ..


إستطرادآ ؛ شكلت هذه الاتفاقيات و من سوف ينضم اليها لاحقآ من دول الاقليم من وجهة النظر الاميركية والاسرائيلية، ترجمة ايجابية لما يعرف ب “اتفاقات أبراهام” Abraham Accords على خلفية قناعة ايديولوجية دينية تعكس الترويج لنبل اهداف، و ذلك لما يمثله النبي ابراهيم عليه السلام في وحدة الديانات السماوية الثلاث اليهودية و المسيحية و الاسلام.

من جهة اخرى؛ أتى قرار وزارة الدفاع الاميركية بتعديل الخطة الاستراتيجية الموحدة لانتشار الجيش الاميركي عَلى مستوى العالم عَبرَ نقل إسرائيل مِن منطقة عمليات القيادة الاوروبية للقوات الاميركية
US-EUCOM إلى منطقة القيادة المركزية الوسطى US-CENTCOM المسئوولة عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطي منطقيآ و تلبية لطلب قائد الاخيرة الجنرال Kenneth McKenzie و لمدرجات
الواقع الجيوسياسي و العسكري لمسرح العمليات، بِما يعني وحدة التنسيق العسكري و الانتشار الميداني للقوى المقاتلة البرية و البحرية و الجوية بمواجهة الاخطار المشتركة التي تتهدد الدول الموقعة عَلى اتفاقيات السلام المبرمة خلال الأشهر الأخيرة الماضية.


و مما لاشك فيه ان قَرار البنتاغون في هذا المجال وان كان يدخل في باب الرؤية الميدانية الاستراتيجية للقوى العسكرية الاميركية والحليفة المنتشرة في المنطقة ، إذ سَتكون اسرائيل الدولة 21 التابعة لقيادة الجنرال (ماكنزي)، الا انه لَن يلغِي التنسيق المكثف بين اسرائيل والاوروبيين، كما سيكرس ايضآ وعمليآ انفراجآ متمثلآ بسُقوط حالة العداء لا بَل التحالف.

توازيآ ؛ يعتبر القرار للمرة الاولى والاخيرة قبل مغادرته متماشيآ مع رغبة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وفق ما اوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في وقت سابق ” إن إدارة الرئيس المنتهية ولايته تخطط لإضافة إسرائيل إلى منطقة عمليات CENTCOM بدلا من القيادة الأوروبية”..

ميدانيآ ؛ في النتائج المحققة ايضآ ان تحويل او نقل دولة العدو إلى مسؤولية القيادة الوسطى بدلا من الأوروبية ستسهم بدمج الاحتلال مع دول التطبيع العربي وبشكل اكثر عملية في استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط. ثانيآ ستزيد الاعباء عَلى قيادة الجنرال ماكنزي المسؤولة عن منطقة الصراعات والازمات في الشرق الاوسط “افغانستان، باكستان، سوريا، العراق، ايران الخ.. سواء على مستوى العمليات الحربية
اما على صعيد مكافحة الارهاب ومحاربة “داعش”، في تكريس مكشوف معلن لجبهة موحدة بمواجهة المحور الايراني “الممانعة” واذرعه او حلفائه من اليمن الى جنوب لبنان، فلسطين وسوريا .. ثالثآ يعتبر الجنرال ماكنزي ان ايران “اهم تهديد للاستقرار” ورغم مواقفه الصارمة الا انه ينتهج مسلكآ مسؤولا بنظر الجنرالات في قيادة اركان البنتاغون، إذ إن إجراءاته تدخل في خانة الردع وقراراته تهدف لدعم دفاعات القيادة المركزية دون تفجير صراع في المنطقة مع تجنبه وقوع صدام مفاجيء عن طريق الخطأ او الاستدراج، مما افسح المجال لزيادة عديد القوات العسكرية و عامودها الفقري قاعدة العديد الجوية في دولة قطر المقر الإستراتيجي الاكبر للأسلحة الأميركية المتطورة في المنطقة حيث تتمركز القوة الجوية 319 التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية، إضافة إلى افواج الدبابات الأحدث M1A3 Abrams ووحدات الدعم اللوجستي و العتاد العسكري و التي زودت مؤخرآ ببطاريات صواريخ Patriot القادرة على صد الصواريخ الباليستية و قاذفات B-52 و حاملة الطائرات Nemetz التي تجول في المياه الدولية مقابل الشواطيء الايرانية.

أخيرآ ؛ سيشكل ضم اسرائيل للقيادة المركزية الوسطى قوة اضافية بمواجهة ما يعتبره الجنرال ماكنزي التحديات الامنية و العسكرية في منطقة تحتوي كمآ هائلا من التعقيدات سواء على صعيد تنوعها الاثني، الديني و السياسي ام على صعيد البيئه القتالية المختلفة جغرافيآ من الصحاري الى الجبال الوعرة، اضافة الى انها تضم مخزونات الطاقة النفطية و الغازية الحيوية الاكبر في العالم.كما انها الموقع الاستراتيجي الاهم صلة الوصل بين القارات الثلاث آسيا ، اوروبا و افريقيا و بالتالي بين القيادات العسكرية المركزية الخمسة للجيش الاميركي على مستوى مسارح المواجهة القتالية على خارطة العالم.
من هنا يرى المحللون ان اكتمال القوس العسكري الاستراتيجي لن يعني بالضرورة رفع نسبة نشوب الحرب الشاملة او المفتوحة، انما مزيدآ من “ستاتيكو” التهديدات المتبادلة بانتظار تمكن الادارة الاميركية للرئيس جو بايدن من الانتصار على عدو الكوكب الاول COVID 19 ثم محاولة الانصراف لمعالجة ملفات الصراع سواء العسكرية ام العقوبات التجارية و الاقتصادية بِدءآ مِن الملف النووي الايراني وصولا الى الحرب التجارية مع العملاق الصيني.

—————-

بيروت في 17.01.2021
*باحِث في الشؤون الامنية و الاستراتيجية