القلب .. بين مرايا الزمن

خاص – “الدنيا نيوز”

*بقلم د. ميشلين بيطار

جلستُ معهن، ومع المسافة الزمنيّة الفاصلة بين أعمارنا، فإذا بي جالسة مع مرايا حياتي.
كل واحدة منهن نافذة على زمن مختلف، وكل حديث يهمس بفرحٍ أو مرارةٍ عاشته وفهمته.

الأصغر سنًّا مليئة بالثقة، بعزم الشباب، وبثوابته التي لا تهتز. رأيتُ فيها نفسي قبل الصفعات الكبرى.
قبل أن تتكسّر يقيناتي، يوم بدا كل شيء واضحًا، الخيارات بديهيّة، و الحياة سهلة.
يوم كنت أقاوم العالم، وأظن أن الشجاعة وحدها تكفي.

من كانت من عمري، بخيارات مختلفة ومسارات متباينة، جعلتني أتساءل هل أصبتُ أم أخطأت في اختيار الطريق .
كانت كل قصة من قصصها مرآةً لاحتمال رفضتُ أن أمشِي نحوه، أو لفرصة مرّت أمامي ولم ألتقطها. كانت تستدرجني إلى الحاضر بمزيج غريب من الحسرة والإمتنان.

أما الأكبر منّي، فرأيتُ فيها القادم الذي ينتظرني: تعب وصخب العمر، شيبٌ يحطّ على الرؤوس والوجوه، هجرة الجمال و الأولاد ، وحدة تتسلّل رغم الامتلاء، ومرضٌ يمرّ أحيانًا ليعكّر الصفو.

النضوج منكّه بحكمة تتجاوز التنظير، ولينٍ يولد من التجربة، وتساؤلات حقيقيّة عن الصواب والخطأ. كان الحديث معها يشبه حديثًا مع المستقبل؛ يبشّر بالشفاء من الوهم ، بالسلام الداخلي، وبالتنازل الجميل الذي يتيح لنا أن نستمر.

كنتُ أنصت للدردشات، وأعيش في داخلي تآخيًا حقيقيًا؛ شعورًا بالتشابه رغم الفروقات، بالتعاضد رغم المسافات، وبفهم عميق للحياة.

رأيتُ في كل واحدة منهن ما عشته، وما لم أعشه، ورأيتُ فيها احتمالًا آخراً من احتمالاتي.
اتّفقنا، دون ان نتّفق، ان القلب هو الجبهة التي نُهزم فيها… أو ننتصر.

كانت اللحظة كلّها دعوة للتعاضد والتفاهم والصداقة ؛ وكأنّنا ، مهما اختلفت أعمارنا وخياراتنا ، جزء من رحلة واحدة، لا تتوقف عند حدّ، ولا تُختزل بزمن أو عمر.

كنا في حالة هناء لمجرّد الشعور بهذا التواصل وهذا الإدراك. في هذا الفهم تكمن سعادة لا توصف؛ سعادة تنبع من شعورك بأن من أمامك يراك في جوهر كيانك، ويعي تمامًا ما يخالج روحك.

يا ليت الرجال أحبّونا أقل وفهمونا أكثر..!

*طبيبة لبنانية

📢 اشترك بقناتنا على واتساب
تابع آخر الأخبار والتنبيهات أولًا بأول.
انضم الآن