القصيدة البيروتية

بقلم : د.بهجت السعيدي *

بيروتُ جـئـتـُكِ والهوى أسفارُ
ودمـي بـحـارٌ مـالهُـنَّ قرارُ
تمشي بيَ الأشعارُ فهْيَ عزيمتي
ومراكبي وخـطـايَ والآثــارُ
والحـزنُ كان سجيَّتي وخطيئتي
ولديـكِ تُـبتُ فحـسنكِ استغفارُ
ولإنْ تبقَّى بعضُ حـزني راسباً
ووجدتِني في غــربةٍ أحتــارُ
لاتقلقي هـوَ لـيس مـنكِ وإنَّما
هوَ خـصـلةٌ في داخلي وشعارُ
إذ أنتِ يابـيـروتُ أنتِ حبيبتي
لاغــربةٌ بــل أنتِ أنتِ الدارُ
لكـنـني مـتـمـزقٌ وأنا أرى
حسـنـاً كـحسنكِ حولَهُ الأخطارُ
ليسَ الـهـدوءُ لِـشاعرٍ بمصاحبٍ
فالـشـعـرُ نـارٌ كيـف تهدأ نارُ
يامـنْ أراكِ أمـيـرةً عـربيةً
والـشـرقُ حـولكِ نكبةٌ ودمارُ
شـرقٌ بـهِ وجـهٌ كوجهكِ مالهُ
تَـرَكَ الحـياةَ ومـوتَــهُ يختارُ
فكأنما الـمـُدُنُ الجميلـةُ لعـنةٌ
والبحـرُ والأعـشابُ والأشجـارُ
وكأنَّـمـا القـبـحُ الشديدُ أصالةٌ
وقـداسـةٌ وتحضُّـرٌ وفـخــارُ
هل يعـرفُ الأعرابُ عن إخوانهمْ
غـيـر الذي تـتـنـاقـلُ الأخبارُ
هل أصبحَ الإعـلامُ رَحـْـمَ وصالنا
وعلى العـروبةِ رحمـةٌ وغُـبــارُ
ويسـوقـُنــا الإعـلامُ نحو مرامهِ
فَـضَيـاعـُنـا في حـبـلــهِ جرَّارُ
وعلى مـزاجِ الشائـعـاتِ مـزاجـُنا
ومِنَ التَّـوَهُّـمِ تُـصْنـَعُ الأقـــدارُ
يـسـتـنفـرُ الأعـرابُ كلَّ جهودهمْ
كي يـقـتـلوكِ كـأنَّما هـو ثـــارُ
هُـمْ أرخصُ العـمـلاءِ للغربِ الذي
هـو ربُّهـمْ هـو قـِبـلـةٌ ومـزارُ
إن حـاربوكِ فـتـلك مهنـتُـهُمْ إذاً
ووظيـفـةٌ وجـزاؤهـا الـــدولارُ
فالأصـلُ في هـَـذي الضغائنِ مِهنةٌ
وكـذلـكَ الصحـــراءُ مـنكِ تغارُ
بـيــروتُ رغمَ حـِـرابهمْ وكلابهمْ
تـتـألقينَ ويـنـتـهي الإعـــصارُ
بـيـروتُ يابـيـروتُ أنتِ حـبـيبتي
وأنـا حبـيـبـكِ شــاعـرٌ مغـوارُ
يافـتـنـتـي الكـبـرى وأجملَ قصَّةٍ
لايـسـتـبـيـحُ جـمـالـهـا التكرارُ
بـيـروتُ ياكـلَّ الحـيـاةِ تجـَمَّـعتْ
بـمـديـنـةٍ حـارتْ بهـا الأبـصـارُ
لاشـيء فـيـكِ يَرى السُّـكونَ فضيلةً
حتى جـمادكِ طبـعـُـهُ الإبـهـــارُ
للـرملِ فـيـك عـواطفٌ وهـواجـسٌ
ولـدى الصُّـخـورِ تـنـفـُّسٌ وحـوارُ
إنّي بـسـحـركِ غـارقٌ حـدَّ الأسى
فالسحــرُ مـنــهُ مـتـاعبٌ ودُوارُ
فيـكِ الثـقـافـة أعـلـنـت أمجادها
وتـلاقـحـتْ في أرضـكِ الأفـكــارُ
وجـذَبـْـتِ كـلَّ مـفـكـّرٍ أو عاشقٍ
فـجمـيعـهـُـمْ داروا وأنتِ مـَــدارُ
لو مُمكـنٌ أن أحـتــويْكِ بـسـاعـدي
لأحـَـطـْـتُ خـصـركِ والهـوى زُنَّارُ
يامهـرجـانَ اللـونِ والأَشـكـالِ فـيـكِ
تـعـَــرَّت الأجـنــاسُ والأســـرارُ
إن كـُـنـتُ فـيـكِ جُـنـِـنتُ لستُ بأوَّلٍ
أو آخــرٍ مـِــنْ قـَـبـلُ جـُـنَّ نـِزارُ
أنـتِ الصبيـَّـةُ دائـمــاً ولإنْ كـَـبـُرْتِ
فـلـيسَ عـُـمـْـراً إنـَّـمــا المـِـقـدارُ

*شاعر وطبيب عراقي