“الفرس الاعظم” في الفضاء الدولي..!

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

“الفرس الاعظم” او الحصان المجنح في الميثولوجيا الاغريقية، تسمية في اصلها اللاتيني Pegasus اطلقت على كوكبة تقع في الشمال السماوي من قبل العالم الفلكي اليوناني “بطليموس”..! في فعل السطو المعتاد من العدو الاسرائيلي، سطا الاخير عليها مستخدمآ الاسم لبرمجية قرصنة وتجسس هي الاكثر حداثة وتطورآ، في قدراتها تتبع المكالمات الهاتفية مع تحديد موقع المتصل والمتلقي، اضافة الى قراءة الرسائل النصية “للهاتف الهدف” مع كشف كلمات السر المعتمدة و ما تخزنه التطبيقات مثل:« gmail- skype- facebook- whatsapp- Yelegram … etc» من معلومات؛ اضافة الى اختراق الغيمة الالكترونية i cloud للهاتف الضحية..!

 

تمكنت المجموعة التكنولوجية N.S.O وهي عنوان مختصر للاحرف الاولى من اسماء مؤسسيها Niv, Shalev and Omri من انتاج هذه البرمجية Software الخبيثة واطلاقها في الفضاء الالكتروني..!
علمآ ان المجموعة تأسست عام 2009 مقرها الرئيسي ومختبراتها في مدينة “هرتسليا” Herzlia وسط الشاطيء الفلسطيني. اما ستار خدماتها وفق ما تزعم ف « تقديم الدعم التكنولوجي لحكومات العالم بهدف محاربة الارهاب والجريمة المنظمة »..! المعلومات تشير الى ان مؤسسيها أعضاء سابقين وحاليين من الوحدة 8200 التابعة لجهازي المخابرات الإسرائيلية “الموساد- أمان” وهي الوحدة المسؤولة عن جمع استخبارات الاشارات SIGINT- Signals Intelligence وقيادة الحرب الالكترونية. كما ان الطاقم الذي يعمل في تطوير برامج القرصنة يضم نخبة من ضباط جيش العدو المتخصصين في “المعلوماتية العليا” Higher Informatics، كذلك فإن قسمآ من العاملين مفروزين لمهام مراقبة شبكة “الانترنت المظلم” Dark Web احدى مصادر كشف الثغرات الامنية للبرمجيات والتطبيقات حيث يبيع القراصنة معلوماتهم عن نقاط الضعف في برامج الهواتف الخليوية او الحواسيب والخوادم Server.. علمآ ان حكومة العدو منحت “إن.أس.أو” ترخيص بيع برنامج “Pegasus” لدول غربية وعربية وكذلك لعصابات المخدرات المكسيكية ومجموعات اخرى تعمل لصالح الموساد الاسرائيلي..

في عودة زمنية غير بعيدة يمكن الاشارة الى بعض النقاط: نجاح المجموعة في تطوير فيروس (ستوكسنت) الذي تمكن عام 2009 من شل منظومات التحكم في اجهزة الطرد المركزي الضرورية لعملية تخصيب اليورانيوم في منشأة Natanz الايرانية.. تقديم ادارة “تطبيق المراسلة” WhatsApp دعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية N.S.O بتهمة اقدام مبرمجيها على استخدام “ثغرة يوم الصفر” zero day vulnerability في نظام التشغيل Android و”الخداع الالكتروني” لنظام iOS 14.6 وتثبيت برامج التجسس على نحو 1400 هاتف جوال.

من جهة اخرى؛ بالولوج الى الواقع الاجتماعي على خلفية سؤال يطرح حول اهمية الشبكة العنكبوتية Internet في عالم اليوم، كما استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل العامة ومقياس الاستخدام في ميزان الصح والخطأ؟ اضافة الى التساؤل حول قدرات برمجيات القرصنة والتجسس سواءً لجهة مساهمتها في قلب الانظمة او الحكومات والسيطرة عليها، ام لجهة تسهيل عمليات الاغتيال والابتزاز الخ..؟ فإن جدلية السؤال وتوابعه محفز اساسي للتوضيح اختصارآ كونه خاضع للتغيير بتغير الابحاث والاهداف وفق تحديث وتطوير الاستخدامات التكنولوجية. في الجواب الموضوعي، سواء لبث الوعي او للتحذير من انزلاق غير محمود نحو فخ الاستدراج، اصبح ما يسمى الجوالين Rovings في الفضاء الالكتروني Cyber Space ادوات لا ارادية غالبآ لتنفيذ ما رسم من مخططات وحدد من اهداف من قبل اجهزة استخباراتية او مافيا سايبيرية ام افراد Hackers وهم في قدرتهم على اختراق الشبكات وتحطيم جدران الحماية Fire Wall اصبحوا اهدافآ للتجنيد والاستيعاب..!

استطرادآ؛ من الواضح ان وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها وتنوعها اصبحت من ادوات الاعلام والاعلان والتوجيه سواء سلبآ ام ايجابآ، وهذا امر طبيعي كما الصحف والمجلات قبل عقدين من الزمن،، ناهيك بما كان الطلاب والمحتجين ومعارضي الانظمة يلجأون للتعبير عن ارائهم الثورية والرافضة او مطالبهم على جدران الشوارع التي اختاروها صفحاتهم بعيدآ عن المراقبة، وعبوات رذاذ الدهان Paint Sprayer حبرهم الفعال ..!
انطلاقآ من هذه البديهية، باتت ال Social Media من ادوات الاستقطاب الجماهيري، سواء في الدعوة الى الاحتجاجات او لتحفيز الحراك الشعبي بوجه اي سلطة فاسدة ام متسلطة، نقدآ ايجابيآ بناءً او قدحآ وذمآ، وصولا الى هتك الحرمات أحيانآ والتطاول على الكرامات..!
تاليآ ان ما يفرض المحاذرة ايضآ، التطور التكنولوجي المتسارع الذي وفر بصورة اضطرادية امكانات التمويه الالكتروني، عبر انشاء مواقع مختلفة “متعددة الاستضافة” Multi Hosting وتغيير عناوينها للتضليل او لاخفاء الجناة والمخططين افرادا ام اجهزة وعصابات. كذلك اللجوء الى اعتماد الروابط الوهمية Fake Links او تغيير التعريفات وبروتوكول “التحكم بالنقل” Transmission Control وعناوين الشبكات IP Addresses Protocol اضافة الى استخدام الاقنعة الالكترونية Subnet Mask..!

في سياق متصل؛ ، ودون التعمق اكثر في الاختصاص المعلوماتي، فإن ما تقدم يطرح معضلة مستدامة حول كيفية مكافحة الجريمة الالكترونية Cyber Crime في العالم الافتراضي نظرآ للتطور التكنولوجي المتسارع والغير محدود.. و بالتوازي والمقارنة مع العالم الواقعي حيث المجرمين ومجموعات الارهاب المنظم تتصدى لتدابير الاجهزة الامنية والشرطية الميدانية باخرى مضادة قد تعادلها حينآ او تتفوق عليها أحيانآ أُخَر، فان مرتكبي الجرائم السيبيرية يمارسون نفس التكتيكات ولكن ضمن الاطار العلمي والتكنولوجي البحت، اما مواجهة السلطات القضائية فحيز مشترك بين الافتراضي والواقعي عبر استخدام ادلة النقض او الاثبات و اعتماد المواد القانونية المناسبة القابلة لتفسيرات شتى او اجتهادات تطبق على تشابه القضايا من قبل محامي الدفاع المحترفين بما يضمن الاطاحة بالعناصر الجرمية او النفاذ من العقاب..!
وعلى ما يبدو؛ اصبحت برامج التجسس من الاهمية بمكان، إذ تعتمدها الاجهزة الاستخباراتية بوجه اعدائها وسيلة فعالة لمكافحة الارهاب او لجمع المعلومات ومعرفة السياسات المستقبلية للدول وقدراتها الدفاعية؛ ومما لا شك فيه ان من ايجابياتها (خيرآ ام شرآ) توقف الحكومات عن دفع المليارات لتطوير الخدمات الاستخباراتية وتدريب العملاء او تجنيد المخبرين ..!
في هذا الصدد يسجل عقم فكري وعلمي مع لا اهتمام مؤسف حائل دون نمو المعرفة المعلوماتية وتطورها في دول العالم العربي، كما ان معظمها لا تزال توصف ب”الزبائن الدسمة” في سوق شراء البرمجيات ايا يكن مصدرها..!

بالعودة الى برنامج التجسس الاسرائيلي Pegasus يشار الى ما يلي: ان NSO مختصة ببرامج اختراق الهواتف، حيث لا ضرورة لاستجابة الضحية يكفي لنجاح الاختراق تلقي المكالمة دون الرد عليها. برهن برنامج “الفرس الاعظم” عن تفوقه على البرمجيات الخبيثة او برامج القرصنة الاخرى وذلك لتعدد “انماط الاستهداف” Targeting Patterns.. انكشافه صدفةً تسبب بفضيحة مدوية، اذ تم “الاختراق الصامت” Silent Hack وقرصنة اكثر من 50.000 جهاز هاتف خليوي تعود لملوك ورؤساء دول من بينهم “الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون” واعلاميين ونشطاء سياسيين.. صحف غربية على انتشار برنامج التجسس الاسرائيلي بـأنه “إحباط لكل سعي نحو الديمقراطية في المنطقة”..!

أخيرآ؛ ان الموازنة بين حرية التعبير كحق انساني كفلته الشرعة الدولية لحقوق الانسان وبين انتهاك خصوصيات المستخدمين او التشهير بهم معضلة قائمة باتت تفرض انشاء (الانتربول الالكتروني) International Police To Combat Cybercrime بالتوازي مع تطوير نظم المراقبة لاجهزة الامن الالكتروني او المعلوماتي، وتحديث برامج مكافحة الفيروسات و القرصنة والتجسس. مع لفت النظر ان القواعد الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة؛ نظمت وحددت اسباب المراقبة والمشروعية والضرورات والاخطار؛ اذ إن الرقابة بشكل عام أو مطلق أمر مرفوض تمامآ..!
– قال: الانترنت يسمى الشبكة العنكبوتية، فلا غرابة ان تمتليء بالحشرات ..!!!

————–

بيروت في 07.08.2021