العشاء “الكاميكازي”..!


بقلم العميد منذر الايوبي*

ان تدعى الى عشاء فإن تناوله مع ترنيم مزمور الشكر حاضر واجب.. الخبز من قمح بيدره لبنان قيمة انسانية صافية معجنه خميرة اخلاقية دون مقدار، ما كان الجمع بحاجة لكسرة مباركة من جسد الفادي لا فيض تعفف بل انعدام ايمان..! اصلآ كيف لمن سرق بغى وسطا على اموال الناس قاهرآ سلام عيشهم مدمرآ مستقبل حياتهم واجيالهم ان يتبارك ويتبرك من “الخبز المجدل” Zopf Bread (مخبوز عجينة سويسرية) غض شهي، لطالما تُوإم الوطن الصغير مع موطنه او تجاوز ..!
من يأخذ الخبز يرفع يديه الى السماء ويحمد، من يبقي نظره على الارض انحناء لا حياء من الخطأة..! الانحناءة قد تكون تواضعآ او اعتيادآ لا ارادي سببية طول قامة، لكن في الطأطأة خضوع واذعان لعنة شيطان تقود الى هلاك، جهل قول “ان بالشكر تدوم النعم”.. طاولة العشاء في السفارة السويسرية لم تكن اكثر من “خبز وملح” قول دارج في مؤداه “ممالحة” والاخيرة من المكرمات؛ رابط روحاني في قطعه جرم تخوين..-اذ توجه الملاك عزرائيل الى الخالق قائلآ “سيدي وخالقي اطلب منك ان لا تجعلني اول من يخون الخبز والملح”-..!

المعضلة السياسية اللبنانية مزمنة نخرت عظام وطن نيف مئة عاما وما يزيد، في سلوك اطرافها استغلال حد اذلال شعب عقد العزم ان يعيش او يموت لمجده، حُول كمبيالة دون قيمة بعيدآ عن علم القيم والفضائل الاخلاقية او فلسفة التصوف..! كان مساء الثلاثاء موعدآ مفترض في صالون السفارة. وقعت الدعوات من منظمة Human Dialogue السويسرية العاملة في حقل منع نشوب النزاعات وتعزيز السلام الحائزة ترخيصا بممارسة نشاطها في لبنان منذ عام 2017، فيما وجهتها منظمة مركز الحوار الإنساني CHD الى قوى وشخصيات متنوعة الخيارات والولاءات تقليديين وتغيريين سياديين ومعتدلين في مؤشر التسميات المرجعيات اصحابها..
من زوايا المواجهات السياسية المتناقضة وبالتزامن مع ترسيم المقاعد، تردد صدى ضجيج عفوي كما بلبلة مقصودة عن نوايا تغيير النظام او تعديل الميثاق خطوة اولى نحو مؤتمر حوار مرتقب في العاصمة جنيف غلب بساطة الواقع المعلن فارضآ خط طفافات اعتراض واعتذار حمل الوان الطيف الطائفي والايديولوجي، واجهته السفيرة السويسرية Marion Weichelt Krupski بعد استغراب ببيان اختصر الهدف توضيحآ: “تعزيز تبادل الافكار بين الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية” ومذيلا بعبارة: “التأجيل الى موعد لاحق” استدراكآ..!
تاليآ؛ بدا التملص على اختلاف الاسباب نتاج تحليلات وافتراضات وربما معلومات تشبيهآ او تَماثلآ مع “نعامة تدفن رأسها في الرمال”. اذ لا خطيئة في قراءة تحضيرات مشهد مفترض ان صح سواءً في المكان(السفارة السويسرية)
او الزمان (مرحلة الاستحقاق الانتخابي الرئاسي) والاخير معطوب اصلا بقرار فراغ محتم الى ان يقضي الله امرآ كان مفعولآ..!
استطرادآ؛ لطالما كانت المساعي الديبلوماسية الحميدة مدموغة تاريخيآ ودوليآ بالطابع السويسري، كما عربيآ بالسعودي في لبها الاساس تغييب مصالح وتغليب حقوق انسانية بعيدآ عن توجس او تردد نتاج صفاء نوايا وقدسية رسالة.. فما الخطأ ولما ألإعراض عن امر والاعتراض على افتراض وإعلان المواجهة..؟؟
في المبدأ ان الحرمان بالرفض الارادي المرتهن قد يليه الندم.. اذ يحمل النبيذ العضوي من عنب “شاشلا” Chasselas المقطوف بعناية من كروم (Domaine de La Maison Carré) على ضفاف بحيرة Neuchâtel امتياز مَزْج الثقافة العميقة والشَغَف القومي بإنتاج نبيذ مُعاصر، ما يكرس خسارة الاطراف المعزومة المهزومة نفسيآ ووطنيآ اهمية ولذة تذوقه من الكوؤس السويسرية، و”شفافية الكريستال لا تعني ضعفآ بل إيقاع رقة..!

في الوساطة سعي بحث وتحليل دفع نحو حوار وطني قد يكون منتجآ مخلص، لا ينقض العهد ولا ينقض على ميثاق الطائف وهو اشد ما يحتاجه هؤلاء.. ان حراك 17 تشرين يفترض ان يكون عبرةً، وتخديره بالتجويع الموضعي لن يطول او يمنع استفاقة..! في المراحم الإلهية طلب رحمة وغفران؛ خراب لبنان على ايدي طغمة فاسدة لن يكون دون حساب.. واذا كان رفض الحوار وعدم تطبيق الدستور بكامل بنوده ذنب لا يغتفر، فإن التمادي فيما يرتكب كفر بوطن ..! مميتة هي الخطيئة ولو طال الأجل، عامل الزمن ليس لمصلحة الطغاة من كثرتهم سند استكبارهم كما جهلهم، استمرار تمادٍ في غيهم..!

اخيرآ؛ لو تم العشاء لكان “كاميكازيآ” Kamikaze بامتياز، في معنى الكلمة “الرياح المقدسة” اشارة لاعصار انقذ اليابان من غزو اسطول مغولي بقيادة قبلاي خان.. السؤال هل كانت الوليمة اعصار انقاذ..؟ ام اجترار اسرار وافكار كما تحديد اسعار..؟ إن لفي جلسات الطائف خير شاهد وأصدق إخبار..!

بيروت في 21.10.2022