العدوان الاسرائيلي على إيران النتائج والإنعكاسات..!
بقلم العميد منذر الايوبي*
رغم تأكيدات رسمية مُزمنة مُتكررة على سلمية برنامجها مقرونة بفتوى اعلى مرجعية دينية، الا ان العقيدة النووية الايرانية تُعتبر حجر الزاوية في مقاربة طهران للردع الاستراتيجي ضمن حسابات دقيقة هدف مضاعفة النفوذ الجيوسياسي دون تخطي الخطوط الحمراء الدولية. من هذا المنطلق اتى بناء وتوطيد هذه العقيدة مرتكزآ على ما يلي:
1- الردع العسكري ضمن الغموض الايجابي، مع تلافي إستفزاز او استثارة مواجهة مباشرة مع العدو / الخصم، ضمن نهج مدوزن يُنكِر حيازة سلاح نووي او سعيآ اليه.
2-غطاء شرعي ديني وسياسي مستند الى فتوى المرشد الاعلى علي خامنئي تُحرم تصنيع واستخدام السلاح النووي، دون التطرق الى إباحة حال الخطر المُحدِق او التهديد الوجودي.
3-توزيع المنشآت النووية في اماكن متباعدة مع اعتماد بُنى تحت ارضية لمواقع محصنة بالعمق الصعب، سَهَل ذلك مساحة جغرافية شاسعة مانعة قدرة العدو على ضربة إستباقية او تَويّة.
4-اعتبار البرنامج النووي ورقة مساومة تفاوضية سياسية وامنية ضمن حدود التعليق تارةً او التصعيد في اخرى تضمن: النفوذ الاقليمي، رفع العقوبات، حماية الحلفاء والأذرع كما استخدامهم في آن ضمن منظومة الرد العسكري بالجرعات الملائمة.
في الدوافع الاستراتيجية أولوية قائمة على بطاقة تأمين وحماية وحفظ النظام الاوتوقراطي وفقآ للتالي:
١-إن إمتلاك قدرة نووية قافزة عند الإقتضاء من الحافة العسكرية الى حيازة الرؤوس الحربية الضاربة ضمانة قصوى للبقاء بوجه الاعتداءات الخارجية او الاضطرابات الشعبية.
٢-ايجاد توازن وتكافؤ بوجه اليد الاسرائيلية العليا “احادية” القوة النووية في الشرق الاوسط ، كما يُرسي مكانآ في المعادلة الاقليمية الرباعية: تركيا- اسرائيل- السعودية-ايران..
سياقآ؛ إثر اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتاريخ 8 ايار 2018 الانسحاب من “صفقة ايران” او الاتفاقية الدولية حول البرنامج النووي الايراني الموقعة عام 2015 من مجموعة 5+1 “الاعضاء الدائمون في مجلس الأمن + المانيا” بدأت طهران رفع مستوى اليورانيوم 235/238 المُخصب Oralloy كما توسيع مراكزها البحثية والتصنيعية (نطنز-فوردو- اصفهان- خونداب- بوشهر- ومجمع بارشين العسكري) الى ان وصلت مؤخرآ الى درجة نقاء 60% ما جعلها تقنيآ على عتبة السلاح النووي 90%. ووفق تقديرات خبراء مستقلين والتابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد باتت على مسافة زمنية تقدر بالأسابيع لإنتاج عدة قنابل نووية.
عند هذا الحَدِ المعُتَبَر تهديدآ للكيان العبري وبعض دول اوروبية، اعطى الرئيس ترامب مهلة 60 يومآ لإنجاز اتفاق جديد مع طهران يعيدها الى نقطة التخصيب السلمي 3.5% وازالة مخزونها البالغ 274 Kg؛ فيما رفضت الاخيرة خلال التفاوض العودة الى اتفاق 2015 ووقف التخصيب نهائيآ، كما طلبت ضمانات اميركية بإلتزام الاتفاق وعدم العودة عنه (بمعنى إقراره من الكونغرس إلأميركي)..
توازيآ؛ استعدادآ للحرب المنتظرة حال بلوغ نقطة اللا رجوع اسست اسرائيل داخل الاراضي الايرانية بنية استخباراتية فاعلة ومراكز مموهة لتصنيع المتفجرات والمسيرات، كما اجرت مسحآ للاهداف المحتملة (قيادات الصف الاول- المراكز العسكرية الهامة- النقاط الحيوية- الوضع الاجتماعي القابل للاستنهاض بوجه النظام وامكانية اسقاطه الخ..). ما منحها الى جانب ترسانتها العسكرية الهائلة المدعومة من الولايات المتحدة قدرة المبادرة لعمل عسكري منفرد او مع الحلفاء.
تاليآ؛ إثر تجاوز المهلة التفاوضية اعتبر بنيامين نتنياهو والرئيس الاميركي ان المفاوضات ليست إلا مناورة ديبلوماسية اتقنتها واعتادت على ممارستها طهران؛ ليرتفع سقف التهديدات المتبادلة حد الاعلان عن استعداد الأخيرة لتخلٍ جزئي عن التزاماتها الدولية، من هذا المنظور اعتبر كُثُر من محللين ان القيادة الايرانية انزلقت الى خطأ استراتيجي بعد استدراجها الى تعنت غير محسوب الهوامش والعواقب.. ليشَهَد فجر الجمعة 13 حزيران الجاري بدء العملية العسكرية الاسرائيلية ما شكل مفاجأة في التوقيت والأهداف المعتلمة كما الوسائل والاسلحة المعتمدة. تزامنآ؛ إزاء تجاوز الصراع العتبة التي تُستنهض معه قيم الردع النووي، برز تضامن معنوي يستنكر العدوان من دول عربية واسلامية وسط ترقب لمجريات الصراع.
ماذا عن الباكستان ذات الثقل النووي..؟ لم تخرج كراتشي عن “الحياد الاستراتيجي” احد مقومات سياستها رغم إمكاناتها العسكرية وتوجهاتها الإسلامية، اضافة إلى إلتصاق جغرافي بإيران يؤهلها لمنح دعم استخباراتي ولوجستي. إذ رغم تأييدها القضية الفلسطينية وعدائها لإسرائيل إلا انها مرتبطة بعلاقات استراتيجية مع دول الخليج العربية تبعدها عن إنحياز او تحالف، كما لن تدخل في مغامرة تهدد علاقتها الاقتصادية مع الصين واستقرار الممر الصيني- الباكستاني CPEC.
الى اين ستتجه الامور بعد احتدام المواجهة ما هي النتائج والإنعكاسات..؟ .. لا إسقاط للنظام الايراني في المبدأ إلا إن تزعزع بنيانه من الداخل ليكون امام ثلاث:
1-إتفاقية سلام لا تحمل صفة الإذعان بالرضى المعيوب مع تخلٍ عن العقيدة النووية، بالتوازي الإبقاء على “الردع المرن” متمثلآ بترسانة الصواريخ الباليستية مُقيدةً بدائرة فعالية لا تتجاوز 500 km كحد اقصى، “نسخة عن معاهدة ستارت 2” الموقعة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية الفارضّة قيودآ على نشر وقدرة الصواريخ الاستراتيجية سواء في تخفيض عدد الرؤوس الحربية او تحديد المدى الاقصى لآليات الاطلاق ..
2-في هوامش الإتفاق لا أذرع او وكلاء في الاقليم؛ وقف العمليات الاستخباراتية والهجمات السيبرانية، كما لا تأسيس لبنية تحتية مقاومة في الداخل الفلسطيني المحتل.
3-الهروب الى الامام واستمرار الحرب دون قيد زمني حتى الإنهاك، لتصبح مشاركة الولايات المتحدة امرآ مفروغآ منه مؤداه النموذج العراقي.. وهو مستبعد قطعآ…
* *عميد متقاعد، مختص في الأمن والإستراتيجيا.