الشام الجديد…!

 

 

 

بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي *

ضمن رؤية استراتيجية بناءة اعلن البنك الدولي في شهر آذار 2014 عن دراسة جيو إقتصادية لمنطقة تجارية خدماتية و سياحية تشمل دول شرق المتوسط كل من: سوريا، لبنان، الاردن، تركيا، العراق، مصر بالاضافة الى فلسطين المحتلة على امتداد مساحة جغرافية تصل الى 2,5 مليون كلم مربع يقطنها اكثر من ربع مليون نسمة ؛ إستندت الدراسة الى القواسم المشتركة التاريخية و الثقافية التي تجمع هذه الدول اضافة الى القوة الاقتصادية الهائلة التي سيتمتع بها التحالف في الجوانب الاستثمارية التجارية والصناعية كذلك تدفقات رؤوس الاموال وصناعة التكنولوجيات الرقمية والبرمجيات ..الخ؛

نسخة مصغرة في صورتها الواضحة عن الاتحاد الاوروبي اما الصورة السالبة Negative فبدت بألأسود و الابيض اجاد تظهيرها مختبر التحميض الاميركي Photo Lab Supervisor في فرعه المختص بالشرق الاوسط الكبير عَلى شبهة التمهيد لصَفقة القرن تحت اشراف منتج الفيلم الجديد جاريد كوشنير Jared C.Kushner رجل المال و الاستثمارات صهر الرئيس الاميركي ومستشاره..
لم يَرَ مشروع الدراسة النور في حينه كما لَم يدخل حيز التنفيذ لأسباب شتى بَدأت بثورات الربيع العربي المتنقلة و لَم تنتهِ بالصراعات العسكرية ذات الابعاد الاستراتيجية و الجيو سياسية لدول الاقليم الرئيسية عبر وكلائها “حتى الان” في مقدمتها ايران ؛ دول الخليج العربي ؛ تركيا و العدو الاسرائيلي التي لفحت دولآ وشعوبآ مخلفةً مآسٍ و دمار ..

مِن جهة اخرى ؛ عقدت يوم الثلاثاء المنصرم قمة ثلاثية ضمت رؤساء مصر عبد الفتاح السيسي ، رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي و العاهل الاردني عبدالله بن الحسين تركزت في مضمونها عَلى اعادة احياء “مشروع الشام الجديد” في منهاجه التنفيذي تفاهمات و عُقود تضخ استثمارات مِن الاوكسجين الأخضر بِما يسمح بانعاش الحياة الاقتصادية و بالتالي الموارد المالية و مستويات المعيشة و رفع مستوى الدخل القومي مع خفض نسبة البطالة بِما يحقق ازدهارآ مرتجى ..!
يرتكز العقد الثلاثي عَلى ثلاثة اقانيم : الموارد البشرية = العمالة المصرية / الموارد النفطية = العراق و نقطة الوصل الرابط = الاردن و ذلك وفق ما يلي: مد خط ألأنبوب ألنفطي من ميناء البصرة جنوب العراق إلى ميناء العقبة في الأردن ثم مصر مِما يعني تموين كل من السوق الأردني و المصري بالنفط العراقي بخصومات تصل حتى 16 دولاراً للبرميل في حين سيغذى العراق بالطاقة الكهربائية من مصر و الاردن اما التبادل التجاري فضمن اطار التكامل مع الاشارة الى ان الناتج المحلي للدول الثلاث يبلغ حوالي 500 مليار دولار سنويآ كما تبلغ الكثافة البشرية فيها اكثر مِن 170 مليون نسمة تقريبآ ..!

مِما لا شك فيه ان الدول الثلاث تُعاني مشكلات و صعوبات اقتصادية و اجتماعية بألتزامن مع تهديدات سواءً في امنها القومي او في مستقبل الحفاظ عَلى كياناتها التي تلحظها مسودات خرائط مسربة او مطروحة تغييرية لتلك التي رسمها الثنائي الاوروبي “سايكس-بيكو”.. منها على سبيل المثال لا الحصر : أولآ التمدد التركي في الاقليم و صولآ الى الحدود المصرية- الليبية محاذيآ النفوذ الفرنسي مع دولة مالي و الشمال الافريقي اضافة الى دعم عسكري و قواعد ثابتة في دولة قطر كذلك تدخل عسكري في سوريا و العراق يضع معظم الدول العربية وسط مصفوفة قاتلة سياسيآ ، عسكريآ و إقتصاديآ ثلاثية الاضلاع ايضآ مؤلفة مِن تركيا- اسرائيل- ايران و ذلك بصرف النظر عن مواقف كل منها في القضايا العربية المركزية و القضية الفلسطينية بصورة خاصة ٠٠!
ثانيآ الامن المائي عامل استراتيجي في الصراع الاقليمي إذ يشكل السطو عَلى المياه اللبنانية “الوزاني و الليطاني” ، منابع الجولان السوري ، تحويل روافد مياه نهر الاردن مِن قبل الكَيان الصهيوني استهداف مصر في شريان حياتها بشكل غير مباشر بواسطة سد النهضة الاثيوبي و مؤخرآ خطر الجفاف الذي يواجهه العراق بسبب السدود التي تبنيها ايران و تركيا عَلى منابع النهرين التاريخيين دجلة و الفرات ..!

تزامنآ ، يَبدو واضحآ ان اطلاق مشروع الشام الجديد على صلة و ارتباط مع الحراك الاقليمي المتصاعد بِدءآ بتطبيع العلاقات الاماراتية مع العدو ، تخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة و ايران ، الاهتمام الفرنسي
و العودة الهادئة الى لُبنان بعد مذبحة 4 آب و نكبة العاصمة ، محاولة الكيان الصهيوني ضم اجزاء مِن غور الاردن و قطاع غزة الخ ..!

السؤال الاساسي المطروح هنا كيف يمكن السير و انجاح مشروع الشام الجديد دون بلاد الشام الاساسية سوريا و لُبنان ..؟ بالرغم مِن ان هكذا تحالفات تساهم في اقتصادات قوية و استثمارية ناجحة الا ان خلفيتها السياسية تكون وسيلة لتعزيز السلام الاقليمي مِما يعني وفق ما علقت عليه الخارجية الاسرائيلية رغبتها في ولوجه مستقبلآ متوقعة ارتفاعآ في حجم التجارة الاسرائيلية بنسبة 400% .
بالتوازي ؛ سيشكل انضمام سوريا و لُبنان الى المشروع حاجة اقتصادية ملحة في حال ابعاد كيان العدو عنه كما سيضمن اعادة المهجرين السوريين الى وطنهم بالتزامن مع عودة غير مستفزة للعلاقات الطبيعية بين لُبنان و سوريا و بالتالي فتح المعابر و تسهيل الحركة التجارية و انتقال البضائع و جذب الاستثمارات ..!

السؤال الثاني ؛ هَل يستهدف مشروع الشام الجديد ايران .؟ في جردة حساب يبلغ حجم التبادل التجاري لايران مع العراق اكثر مِن 20 مليار دولار سنويآ الامر الذي رأى فيه مراقبون التفافآ عَلى العقوبات الاميركية
او تغلب جزئي عليها مع غض الطرف مِن جانب واشنطن ؛ بالمقابل لا تخوف ايراني مِن “الشام الجديد” بَل ان عملية التكامل الجدية هذه ستساعد الاقتصاد الايراني و تفتح له اسواق جديدة و لو بشكل غير مباشر ..!
السؤال الثالث ؛ ماذا عن الولايات المتحدة الاميركية ..؟ مصر و الاردن حليفا واشنطن و العراق قد يكون عَلى مضض ضمن السياسة (الكاظمية) صفر اعداء ؛ التعاون العربي لا يخلخل بعض جوانب التفاهمات مع ايران ؛ مشروع الشام الجديد لا يواجه معارضة اميركية لا بَل موافقة اذ سيساهم وفق رؤية محللين لو بشكل غير مباشر في ترتيب اجواء او ظروف مؤاتية لإنجاز صَفقة القرن كما مِن المسلم به ان لا إملاءات اميركية او مساومات او شروط حتى الآن طالما ان ابرة البوصلة لَن تنحرف شرقآ..!
عَلى صعيد آخر ؛ في حمأة غليان الاقليم قد يَبدو مشروع “الشام الجديد” اصطفافآ عربيآ معقولآ عامل كبحٍ بوجه مشروعين متناقضين او متنافسين التركي و الايراني اللذان يتواجهان عَلى المسرح العربي المشتعل بِما يحتويه من وسائل لتحقيق اهداف كل منهما الاستراتيجية ..!

ماذا عن السياق الامني .؟ الامن هاجس الجميع ؛ محاربة الارهاب و التنظيمات المتطرفة مع تجفيف مصادر تمويلها أمر اساسي و نهج شمولي يفرض نفسه عند البحث عن الاستقرار ، الامن رديف المال
و حاجة الاستثمار كلاهما عزيز متوازٍ ؛ هذا ما اشار اليه بيان القمة الختامي “الاردن و مصر يقفان مع العراق في مواجهة الارهاب و حماية سيادته مِن اي تدخلات خارجية و لاي انتهاكات لحدوده و لاهمية تفاعله في المحيط العربي و الاقليمي”
خِتامَآ ؛ الموضوع طويل ذو تفرعات كثيرة ؛ لكن مِن نافل القول ان اي اتفاق او تحالف عربي – عربي
لا يستهدف دولآ عربية اخرى و لا يتدخل في شؤونها الداخلية هو أمر محمود لا بَل مطلوب لِذا يجوز الرهان عليه خاصَةً في ظل الانكفاء العربي عن الاتحاد و التضامن مع تفشي الفساد و تسيد العداء بين البلاد و العباد اذ ان مشروع الشام الجديد قد يكون فرصةً نموذجآ عربيآ حضاريآ مصغرآ يهدف الى تنمية مستدامة لَيسَ مانع غضب للشعوب بَل حافز تقدم و رخاء ..!
بلاد الشام ؛ لَطالَما وسمت بجمال الطبيعة و تنوعها، برقي شعبها المضياف المتعدد الطوائف و الاعراق ، التحام حضاري مرمز بكنائس و مساجد و معابد تاريخية في انسجام مع مراكز التقاء ثقافية أما الشوارع و الحارات ففيها ارساليات و مدارس بنت نهضة علمية و ادبية متجذرة .. هَل نستطيع اعادتها كما كانت بعد
ان اصبح اسم الشام بإسم الله مغتصبآ رديفآ لتنظيمات القتل و التفجير و الارهاب ..؟ اللائحة طويلة “هيئة تحرير الشام ، حركة احرار الشام ، الدولة الاسلامية في العراق و الشام ، فيلق الشام ، صقور الشام ، حركة فجر الشام الاسلامية”..الخ قد تكون نكبة بيروت آخر المذابح في بلاد الشام قرابين الشهداء منها حبل النجاة المزدوج ..!

بيروت في 29.08.2020