الخيبة…

بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي *
لم تكن فقط تتويجآ للعلاقات المميزة تاريخيآ إجتماعيآ و ثقافيآ بين البلدين المتشاطئين المتوسط شرقآ و شمالآ الزيارة السباقة عالميآ و إقليميآ لسيد ألإليزيه ايمانويل ماكرون إثر مذبحة 4 آب و الدمار المهول شبيه ناتج الانشطار النووي Nuclear Fusion التي و الذي تعرض لهما أهل بيروت و بناها الحضارية بالخطوة البداية للحراك السياسي و الديبلوماسي الفرنسي في لبنان ، إذ ان لقاءات السفير برونو فوشيه مع المسؤولين اللبنانيين لا تنقطع ؛ أما زيارة وزير الخارجية الفرنسية “جان إيف لو دريان” التمهيدية الى بيروت أواخر شهر تموز الماضي فحملت رسالتين الاولى (التحذير) Avertissement مِما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية و الانهيار الاقتصادي المالي مع تردي الوضع المعيشي الى حد مقاربة الناس الجوع و الفقر إضافة الى الواقع السياسي ألمأزوم اللامبالي و اللامسؤول ؛ اما الثانية فَهي (التذكير) Rappeler بأن الاستقرار السياسي رديف الخلاص الاقتصادي مكررآ معادلة مؤتمر “سيدر 1” Cedar 1 الدعم الدولي و المساعدات = الاصلاحات + مكافحة الفساد اما عبارته الشهيرة “ساعدونا عَلى مساعدتكم” فَهي ليست سِوى “وثيقة إثبات حال” عن وضاعة بعض الطبقة السياسية إن لَم نقل خيانتها ، إذ ان خيانة الشعب أمَرُ و أدهى فالسطو عَلى امواله و تجويعه و تهجيره ما بعدها خيانة فكيف بألقتل أهمالآ مِن سلطة أو عن عمدٍ مِن عدو و إرهاب Willful Killing بالكيميائي المتفجر (ألأمونيوم) Ammonium و ما جاوره من مخزنات المعلوم منها مجهول ..!
إستطرادآ ؛ دفعت المناسبة الفجيعة الرئيس ماكرون الى استباق موعد زيارته الرسمية المقررة مسبقآ بتاريخ الاول مِن ايلول القادم بمناسبة الذكرى المئوية الاولى لتأسيس لُبنان الكبير فحضر الى بيروت متفقدآ مكان الانفجار و المرفأ المدمر ثُم جال في احيائها الخرائب ملتقيآ بعفوية من نجا من اهلها أو بَقي فلاقى ترحيبآ بدفء الاستقبال اللبناني “متعذر في بلده”..!
اتت زيارته المستعمرة السابقة ذات وجهين معلنين ألأول لمسة معهودة انسانية تضامنية موجهة لأهل البلد دعمآ محددآ بمساعدات عينية و طبية على خلفية الحفاظ على النسيج الاجتماعي و الطائفي المتنوع متزامنآ مع حضور بحري عسكري رست قطعه الحربية عَلى ارصفة مِن باطون محترق مدمى بهدف معنوي يكبح جماح تردد لهجرة مواطني طائفة اساسية مسيحية سواء مِن منطقة او مِن وطن ؛ أما الوجه الثاني فذو سحنة سياسية مقذعة من منطلق تفشي الحوكمة الفاسدة و تسيد الدولة الفاشلة مع صفعة ملامة أو تأنيب ..
أتى المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس ماكرون قبل مغادرته لُبنان في قصر الصنوبر التاريخي جليآ في الحض على السير سريعآ بتشكيل حكومة “إنقاذ لا تراضي” تلجم الانهيار مع بدأ الاصلاحات المطلوبة المزمنة معتمدآ صيغة صناعة الترياق من سم ألأفعى “قاتل شافٍ” في آن ، مانحآ إنذارآ مغلفآ بألآمال بلياقة فرنسية حتى تاريخ عودته ثانية الى بيروت بداية الشهر المقبل ..!
مِن جهة أُخرى ؛ لا يَبدو ان (حساب الحقل سيساوي حساب البيدر) إذ لا يَزال تشكيل الحكومة بعيد المنال فألإستشارات مؤجلة رغم انعكاساتها دستوريآ و مذهبيآ ، كما مِن الامر ألمُحال الاتفاق أو العثور عَلى رئيس يحوز إجماعآ لا سيَما بعد استنكاف الرئيس سعد الحريري يؤمن استقرارآ مرحليآ يوقف النزف قادر عَلى استعادة الثقة الدولية سياسيآ و ماليآ و انقاذآ إقتصاديآ تمهيدآ او انتظارآ لتسوية عَلى المستوى الاستراتيجي اميركية – ايرانية رُبما اقترب موعدها المنتظر عَلى (البارد) تنعكس تسوية عَلى (الحامي) بين طرفي الوطن الصغير “العهد و المعارضة” المتوازيان مع محوري الالتزام الاقليمي “الممانعة و السيادة”..
في قراءة المشهدية ؛ حبل إسدال ستارة التسوية عَلى المسرح الملتهب يحمل مِن العُقَد الكثير ألمحلي منها يفوق مشاكل الكوكب لا بَل يزاحم همومه ؛ اللعب في الوقت الضائع مِن الخطورة بمكان و الميدان جاهز للاشتعال : انفجار بيروت نموذج قد يتكرر ، الاغتيالات لسياسيين و رجال دين و عسكريين أمر وارد بجدية أيضآ ؛ تحريك الخلايا النائمة و المتطرفة لتنظيم داعِش “جريمة كفتون الثلاثية” دلالة عَلى ما يُحَضر بالتوازي مع اعادة التنظيم الارهابي لملمة صفوفه و بنيته اللوجستية في منطقة المثلث الحدودي السوري التركي العراقي ؛ صدور الحكم عن المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مهد الطريق أو قد يستغل ليشمل قانون قيصر الاميركي حُلفاء سوريا و حزب الله في لُبنان ، التجديد لقوات الطواريء الدولية العاملة في جنوب لُبنان UNIFIL مؤشر لمستقبل الوضع الجنوبي و اهتزازاته سواءً مِن حيث تقليص المدة الزمنية للتجديد أو مِن حيث تعديل المهام و توسيع الصلاحيات ، الموافقة عَلى ترسيم الحدود البحرية بين لُبنان و كيان العدو في مرحلة اولى ثُم تحديد تاريخ لاحق مناسب في التوقيت و الظروف لترسيم البرية منها مطلب اميركي يساوي دعم البنك الدولي و الخليجي للوضع المالي – إشهار افلاس الدولة رُبما بعد اشهر معدودات يعني سقوطها بالضربة القاضية ، كما أن قضية إعادة المهجرين السوريين الى بلادهم مطلب لبناني لَم يقترب موعده بعد الخ…
في سياق التساؤلات ؛ هَل الرئيس الفرنسي ماكرون بات ضليعآ في خوض عباب المستنقع اللبناني .؟
هو يعلم ان الطبقة السياسية في لُبنان تستثمر عامل الوقت لمصلحتها في تأخير التسويات بهدف فرض اتفاق تقاسم جبنة المصالح و الحصص دون أن تعبأ بالانهيار الشامل ؛ كما انها لَن تتوانى عن تشكيل ما يسمى حكومات الوحدة الوطنية المؤلفة مِن القيادات نفسها في اجترار سياسي دون إقامة أي اعتبار لثورة 17 تشرين مِما يعني انفجار الشارع مجددآ ؛ كذلك بات مِن الثابت لا مبالاتها بتأخير الاصلاحات و وقف الهدر و بصورة خاصة معضلة الكهرباء و غيرها مِن مزاريب الفساد .. بألمقابل فان الوجود الفرنسي في لُبنان عَلى كافة الصعد يدخل ضمن الاستراتيجية الفرنسية الشرق اوسطية نقطة ارتكاز رئيسية بمواجهة اطراف الاقليم الثلاث تركيا- ايران- اسرائيل كما ان مبادرة الرئيس ماكرون ليست يتيمة الابوين فَهي تحظى بموافقة موسكو و عدم اعتراض واشنطن ..!
أما السؤال الثاني : هَل سيتابع الرئيس الفرنسي جهوده و مساعيه في المساعدة لمعالجة الازمة و الوضع اللبناني المنهار وفق ما يرغب به اللبنانيين أو كثيرين منهم واضعآ في جدول اعماله تحقيق حكومة مستقلة انقاذية لمرحلة انتقالية تليها انتخابات نيابية مبكرة مع عقد اجتماعي و سياسي جديد في صلبه الحياد الايجابي و رُبما الاستراتيجية الدفاعية .؟ أم أنَ اليأس سينتابه من أداء الأوليغارشية الحاكمة الفاسدة فتحل الخيبة Déception مكان الامل و الاصرار ..؟ هذا السؤال طرح عَلى جنرال فرنسي متقاعد سَبَقَ و خدم في لُبنان فكان جوابه (ان الرئيس ماكرون سيتابع طريقه و لَن يتوقف آملآ ان يتبعه الاوروبيين) هو يعتقد ان لُبنان لديه ما يكفِ مِن الرجال و النساء الموهوبين او الكفوئين للحلول مكان الطبقة السياسيةالحالية ..!  ،
Le président Macron suivra sa route. Et il attend queles Européens le suivent ..!
ان اجهاض مبادرة ماكرون او الغاء زيارته الثانية للبنان سيكون له انعكاسات سيئة عَلى الواقع الراهن عَسى الا تكون الخيبة عنوان ..!
بيروت في 26.08.2020