الجيش قادر ان يُنزِلَ الجميع من على الشجرة واالتأكيد على انه صمام الامان للبنان

بقلم : عباس صالح*

 

بات من المعروف للجميع ان حكومة نواف سلام أدخلت لبنان في المجهول ووضعته على فوهة بركان، وبشكل اقسى وأشد مما فعلته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2006 وكان بنتيجتها احداث 7 ايار الشهيرة التي لم يتقبل فيها حزب الله نفسه قرار بالمس بشبكته الهاتفية الارضية فأقفل البلاد وعطل دورة الحياة فيها على كل المستويات السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية وخاض معارك ميدانية حاسمة مع كل القوى التي شاركت في اتخاذ ذلك القرار،  واسقط الحكومة ثم عاد الجميع الى المسار السياسي في مؤتمر الدوحة الشهير في حينه، والذي أثمر تركيبة جديدة تراعي التوازنات القائمة في البلاد وعادت الامور لتسير في سكة الاستقرار لاكثر من عقد من الزمن.

في ذلك الحين التزم الجيش اللبناني الحياد الايجابي بعد ان تيقنت قيادته ان اي خطوة من قبلها ستؤدي الى انقسام الجيش فورا، مع احتمال كبير بأن تصطدم القوى العسكرية ببعضها، وهو ما يسهل على المقاتلين تنفيذ مهامهم على الارض وبطرق اسرع مما لو بقي الجيش موحداً. وكانت قيادة الجيش في حينه على حق في قرارها، لا سيما وان غطاءها القانوني وشرعية قرارها كان مستقى من ان الحكومة غير مكتملة دستورياً في حينه، لانها كانت حكومة بتراء وفق تعبير الرئيس نبيه بري يومها، وبالتالي فان الجيش بعد الطائف خاضع لسلطة مجلس الوزراء مجتمعاً، وليس لفئة منه.

أهمية ذلك الحدث انه يمكن ان يكون درساً يستفاد منه بعد ان صعد الجميع الى الشجرة اليوم نتيجة الضغوطات الخارجية والداخلية المرتبطة بأجندات مختلفة، وباتوا بحاجة الى من ينزلهم عنها، في إزاء  رفض الثنائي الشيعي لما يعتبره اعتداء على الدستور من قبل القوى اللبنانية الاخرى وشروعهم في الاعتداء المباشر عليه، عبر نزع آخر ورقة حماية لشعبه وبيئته وانصاره ومقاتليه، ومساهمة في كشفه امام اعداءه واعداء البلد انصياعاً وتنفيذا لرغبات الخارج.

اليوم اعيد المشهد نفسه على ايدي الاشخاص انفسهم، اذ لا يختلف اثنين على ان الحكومة الحالية هي حكومة فؤاد السنيورة، الذي هو من اختار رئيسها، وهو من سمى غالبية وزرائها، وهو الذي يسيِّر الامور من مكتبه عبر الرئيس نواف سلام الذي يعتبر من اهم اصدقائه، وهو الذي أدخله اصلا الى عالم السياسة، يوم كان رئيساً للوزارة واختاره من خارج الملاك، لينتدبه سفيراً للبنان في الامم المتحدة، ثم انتقل الى المحكمة الدولية قاضياً فرئيساً لها، وهو الذي زكى اسمه عند المعنيين بالملف اللبناني في الخارج القريب والبعيد ليكون رئيساً لحكومة لبنان في العهد الجديد، على ان ينفذ من خلاله كل ما يراه مطلوباً في هذه الآونة.

الان وصلنا الى الطريق المسدود وصار الكل في مأزق فعلي، باستثناء اولئك الذين لا يكترثون لمستقبل وطنهم ووطن اولادهم، ويعملون ليل نهار بالتحريض والدفع في اتجاه خراب الهيكل واسقاطه فوق رؤوس الجميع، فقط من اجل الانتقام من تركيبة يعتبرون انها همشتهم، ونفت بعضهم الى الخارج، وزجت ببعضهم الآخر في السجون، ولم يكونوا جزءا منها ابان تناوبها على السلطات. اما الفرقاء اللبنانيين الآخرين فينظرون الى البلد بعين أم الصبي، ويعملون على درء الاخطار المحدقة بلبنان واللبنانيين جميعاً. وأول تلك القوى هو الجيش اللبناني الذي ما زال يعتبر في نظر الجميع صمام الامان في البلاد، وبالتالي يعقد عليه الرهان مجدداً لانقاذ الوطن من محنته الحالية، كما فعل في العديد من المحطات خلال اوقات سابقة. وبامكان الجيش اليوم، ان ينقذ الموقف بسهولة فائقة، ويُنزِل من يفترض به النزول عن الشجرة التي صعدوا اليها بفعل الضغوط الخارجية، ويخرج الكل من شرنقة الازمات ويعيدهم الى التفاهم والاستقرار، لا سيما وان القرار الحكومي المبتور اناط بقيادته تنفيذ القرار المشكو منه من خلال تقديم خطة خلال نحو 25 يوماً حتى آخر شهر آب اغسطس الجاري، وهذا في الواقع هو رمي كرة النار في حضن قيادة الجيش الذي سيقارب القرار على انه لغم حقيقي، من شأنه ان ينفجر ويهدد الجيش كما يهدد البلد برمته اذا لم تعطَّل صواعقه بمهنية واحتراف.
والجيش الذي اثبت احترافية عالية خلال كل الازمات والمحطات السوداء من تاريخ الوطن، في نزع الصواعق التفجيرية، قادر اليوم على تعطيل اللغم الذي وضع في عهدته من خلال تضمين التقرير المطلوب منه الوقائع الفعلية في البلاد، وسرد التحديات الماثلة امام قواه العسكرية، اذا ما كلفت بتنفيذ اي قرار على هذا المستوى بالاكراه والقوة، ومن الطبيعي ان يرد الجيش في تقريره المطلوب للحكومة بأنه غير قادر على تنفيذ مثل هذه المهمة – المعضلة التي تهدد وحدته وتماسكه قبل ان تهدد البلد برمته.

ثم ان قيادة الجيش قادرة على تعطيل هذا اللغم ايضاً بطريقة أخرى من خلال تضمين ردها ما مفاده بأن الصلاحيات المناطة في اتفاق الطائف تنص على ان الجيش ينفذ قرار مجلس الوزراء مجتمعاً، والمعروف بأن هذا “القرار – اللغم” تشوبه عيوب دستورية ابرزها انه لم يحظ بموافقة مكون رئيسي متمثل في الحكومة والمجلس النيابي، وقد اتخذ هذا القرار بغيابه ورفضه القاطع له، بعد انسحاب ممثليه من الجلسة الوزارية عند طرحه، والطبيعي إن تنفيذ قرار مشوب بعلة اللادستورية من شأنه ان يخلق ازمات وخضات البلاد في غنى عنها.
بهذا يكون الجيش انزل الجميع عن الشجرة، واعاد الامور الى نصابها الصحيح وأكد على المؤكد في انه الصمام الفعلي للبلاد، عند اشتداد الازمات.

———————

صحافي – رئيس تحرير “الدنيا نيوز”