الثورة ألمُلَوَنَة وَ ألتَرَقُب ألروسي ..!

بقلم العمَيد مُنذِر ألأيوبي *
 
لا تزال الديبلوماسية ألروسية الهادئة في حالة ترقب للوضع اللبناني المتهاوي سواء على الصعيد السياسي و تأليف الحكومة المرتقبة أم على الصعيد الاقتصادي و المالي و يتجلى ذلك في أداء السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين ذو الخبرة الطويلة في ألشؤون اللبنانية و الإقليمية بشكل عام ..!
لم يأتِ الحراك الانتفاضة الذي قارب الثورة الملونة من فراغ أما ألسفير الروسي فقد كان يقرأ إشارات الشارع اللبناني ألمتململ من أداء السلطة ألسيئ و فساد اجهزتها و لامبالاتها في رعاية شؤون المواطنين و همومهم المعيشية و الصحية و الإسكانية و ألبنى ألتحتية حيث كانت روائح الفضائح و الصفقات تزكم ألأنوف ..! 
 
من جهة أخرى ، رأى السفير زاسبيكين في ألثورة نتيجة طبيعية و إن متأخرة لما أصاب البلد حكومة وإدارة و مؤسسات من إهتراء ، لكنه لاحقآ لم يُعفِ نفسه من التعليق على الدور الاميركي و محاولته استغلال الحراك بألتزامن مع فرض ألعُقوبات المالية الهادفة لتضييق الخناق على حزب ألله و بألتالي حُلفاء ألأخير خصوم أميركا في المنطقة ؛ و بصراحته ألمُدَوزَنَة “ميكرويآ” Microscopic إعتبر أن جزءآ مما يحصل يصب ضمن الخطّة الأميركيةلإحداث الفوضى في لبنان ..!
هذا الكلام ألموجه إلى واشنطن و رئيس ديبلوماسيتها ألوزير “بومبيو” وصل عبر البريد السريع ضمن مغلف عنوانه أن ألترقب ألروسي Staytuned لا يعني ألإنكفاء عن ألمَسرَح أللبناني ؛ ثم كرر رسالته بألبريد ألمضمون دوليآ عندما أعلن أن مجموعة العمل لأجل لبنان ألتي تضم الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لطالما نادت بِضرورة الحفاظ علىالاستقرار الداخلي و الوضع الأمني ألممسوك ؛ لكنّه تلمس أنالأميركيين بدأوا يهملون هذا المبدألا بل يدفعون الأمور أو على الأقل يساهمون بمزيد من ألتحريض عبر أدواتهم ألمحلية أو حلفائهم نحو الفوضى ألمُقَنَعة “علمآ أن المحور ألآخر ليس من ذلك ببراء أيضآ” من ضمن مبدأ “ألشارع يقابله شارع” و بألتالي تتحول ألوان الثورة النظيفة رمادية جرداء ..!
ضمن سياق مُتَصل ، تعتمد الإدارة الروسية في توطيد و تأمين مصالحها الاستراتيجية مبدأ النفس الطويل و ألهاديء ألمتكيء على نجاحها بِإستعادة دورها كثنائية قطبية في إدارة شؤون ألكَوكَب وهي تأخذ دورآ عقلانيآ يبرز من حرصها على إعلان موقفها ألدائم لجهة التشجيع على الحوار و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ؛ و هذا ما أتبعته في سلوكها تجاه لبنان و إنتفاضة شعبه دون ألتورط في اللعب الإستخباراتي مع ألأميركي من تحت الطاولة أللُبنانيَة ..!
 
ماذا عن موقف الولايات المتحدة الاميركية ؟ و ماذا تريد من لبنان ؟
لا تزال واشنطن مركز الثقل النوعي ألعالَمي و إن برزت ألثنائية القطبية او عَبَرَت وجوديآ ؛ إستراتيجيتها واضحة ألمعالم دوليآ و إقليميآ ، تتمثل بحماية مصالحها (مصادر الطاقة ، التجارة العالمية إلخ..) أمنها الاستراتيجي و أمن حلفائها على رأسهم الكيان الصهيوني ، لكن التناقضات ظاهرة أيضآ بين ألرئيس و إدارته من جهة و الدولة العميقة Establishments من جهة أخرى ، منها على سبيل المثال لا ألحصر : يعتبر الرئيس الاميركي ترامب ان حلف شمال الأطلسي NATO عفا عليه الزمن Outdated كما ان الرئيس الفرنسي ماكرون يرى ان الحلف لم يعد يكفل أمن أوروبا و كلاهما يتوافقان في ألرأي مع خصمهما اللدود الرئيس ألروسي بوتين الذي يريد تحطيمه ، بألمقابل عندما اقترح الرئيس الفرنسي إنشاء الجيش الأوروبي الموحد بديلآ عن “الناتو” ثارت ثائرة ألرئيس ترامب معتبرآ ألإقتراح إهانة للولايات المتحدة ..
توازيآ ، على الصعيد اللبناني فذروة ألتناقض بارز في ألموقف الاميركي المعلن بدعم الاستقرار و توفير المساعدات العسكرية للجيش اللبناني من قبل الدولة العميقة يواجهه استهداف النظام المالي و المصرفي عبر العقوبات المالية المفروضة على حزب الله و بيئته التي تشكل على الأقل 30% من الشعب اللبناني و هذا الأخير من يدفع الثمن فهو المتضرر الأكبر و واشنطن على علم بذلك إذ لا آلية مالية عملية لحزب الله سواءً تمويلآ أو إنفاقآ عبر النظام المصرفي اللبناني الرسمي ، إضافة الى أن المنظمات الدولية غير الحكومية NGO’s التي تدور في الفلك الاميركي و أجهزته المخابراتية دخلت خط ألحراك أو جزء منه على ما يبدو دعمآ و تمويلآ ..
تقييمآ ، في خصوصيات الثورة اللبنانية ألملونة نجد إختلافآ فاقعآ و ناصعآ في آن عن ثورات الربيع
أو بألأحرى الخريف العربي و مثيلاتها في دول أميركا أللاتينية ، إذ أن ألوان راياتها لم تصبغ بألدماء
و ألعَسَس ألأشباح لم تتمكن من النيل منها أما ألطائفية و ألمذهبية و ألمناطقية و حتى ألحزبية فكانت عاقرة لم تلد حربآ أهليةً على ما راهن البعض أو توجس .!
كما بدا جليآ أن هذه الثورة منذ بداياتها في 17 تشرين ألماضي بشاباتها ، شبابها و شيبها إرتدت ألفرح سلاح نضال قناعآ يخفي عمق ألآلام من معاناة ألفقر ، ضيق العيش و ألصعوبات على تنوعها “كهرباء ، ماء و غذاء إلخ ..!” معلقةً ألآمال بألفرج ألقريب و العيش الكريم مؤديةً بجدارة نشاطها و اعتصاماتها في لوحات فولكلورية تراثية لباسآ، غناءً، يافطاتً، شعاراتً و إحتجاجات ..!
تاليآ ، بقيت الثورة تؤمن بألدولة و تطورها نحو المدنية ألحقة دون هدم مداميكها بل إسقاط حراس هيكلها و رحيلهم .. في حين أن لا خشية من ألفوضى فَ ألجيش أللبناني ضمانتها .. أما أليوم فبدأت تتلمس مسلك نجاحها و إستبصار تحقيق أهدافها على ما يُقال (راحت السكرة و إجت الفكرة) و هذا ليس دليل إنهاك أو يأس بل صيرورة طبيعية لمسار أي ثورة تتلخص بعبارة : من أين أدخل في الوطن ؟ من بابه ؟ من شرفة الفقراء ؟ “مارسيل خليفة”..!
خِتامَآ ؛ ألثورة بمفهومها كحركة إجتماعية نضالية لها جوانبها ألروحية و الأخلاقية و الأيديولوجية هي النتاج الروحي للثوار و المنتفضين ، ظاهرة “ميتافيزيقية” Metaphysical (تحدث قبل كل شيء في روح ألإنسان) على ما كتب ألروائي الروسي “دوستويفسكي” Dostoïevski هو “كان يخشى الثورة المضادّة بقدرخشيته من الثورة”، و هذا ما نخشاه أليوم أيضآ إذ أن عامل ألوقت قاتل ..!
 
 
بيروت في 28.11.2019
*كاتِب و باحث.