ثلاثي الامن القومي …

بِقَلَم ألْعَميد مُنْذِر ألأيوبي*

لا مقررات معلنة أو بيان ختامي بل بضعة تصاريح مقتضبة ، هكذا كان ختام الاجتماع الامني الثلاثي الذي عقد في القدس الغربية المحتلة يومي 24 و 25 حزيران الماضي الذي ضم رؤساء مجالس الامن القومي في كل من الولايات المتحدة ، روسيا و اسرائيل فالنتائج ألجيوسياسية و الاستراتيجية تبقى ضمن ملفات “السري للغاية” و هذا أمر بديهي أساسآ أما المقررات العسكرية و الأهداف الرئيسية المطلوبة فهي لقائد الإقليم على مثال قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال “لويد جايمس أوستن” G.Lloyd J. Austin و غرفة عمليات القيادة الشاملة .
إستطرادآ لا تحفظ هذه الملفات إلا ما ندر في اجهزة الكمبيوتر و الخوادم Server الفائقة السرية أو العصية على الاختراق ، كما من الصعوبة ايضآ الولوج الى اوراقِ هذه الملفات و الاطلاع على محتواها
او بعضه الا من قبل الحلقة الامنية العليا و السلطة السياسية حصرآ رئيس الدولة او الحكومة و وزير الحرب او الدفاع ،، و لنا فيما سُميَ فضيحة “اوراقِ البنتاغون” Pentagon Papers مثال حي عندما نشرت الصحف الاميركية عام 2011 أكثر من 7000 وثيقة سربت بواسطة موظف مدني في وزارة الدفاع تضمنت تقارير التورط السياسي و العسكري للولايات المتحدة خلال الفترة 1945-1967 .
تاليآ و رغم ان العنوان الأساسي للإجتماع هو ضمان “أمن دولة إسرائيل” إلا ان سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي Nikolai Patrushev استبق وصوله في حينه مطار تل ابيب مستدركآ بتصريح لوسائل الإعلام دعا فيه الى احترام مصالح إيران عند بحث التسوية السياسية في سوريا ، كما بدا جليآ إمتعاض
و ريبة حُلفاء روسيا الإقليميين مما يجري و ذلك لِأسباب عدة إذ انه الاجتماع الأول من نوعه و الغير متوقع الذي يضم قادة الأمن القومي للدول الثلاث علمآ ان ما بينهم يفرق اكثر مما يجمع ، اضافة الى رمزية انعقاده في القدس المحتلة مما إستوجب أيضآ و لاحقآ توضيحآ من موسكو بإعلانها “ان ألمؤتمر لا يمس العلاقة الاستراتيجية مع الحلفاء” .
من جهة أخرى ، بديهي أن يكون البحث شمل الهدف الاستراتيجي لقيادة العدو اي إخلاء الساحة السورية من الوجود العسكري الإيراني و إحباط خط التواصل و الامداد البري من طهران الى بيروت عبر المنفذ الحدودي السوري العراقي في محافظة دير الزور و نقطة القصير – حمص الحدودية مع لبنان إضافة الى محاولاتها المتكررة تَدمير منشآت و قواعد الحرس الثوري الايراني شمال و شمال شرق سوريا و ريف دمشق ..
في براغماتية الموقف الروسي ، لا تزال موسكو حريصة على لعبة التوازن فهي معنية وفق جدول أولوياتها الحفاظ على الدولة السورية بسلطتها الحالية و وحدة أراضيها.. استمرارية علاقة وصلت إلى مرحلة متقدمة ديبلوماسيآ و نوعيآ مع تركيا “صفقة شراء صواريخ الدفاع الجوي S-400” مؤشر هام يقرأ بسهولة رغم اعتراض واشنطن و حلف NATO .. نسج تواصل ديبلوماسي و تنسيق قابل للتطور مع الكيان العبري “استعادة رُفات الجندي Zechariah Baumel” متلازمآ مع تنسيق عسكري ضمن حدود مرسومة بدقة بهدف تلافي أخطاء الميدان “إسقاط طائرة 20 Illushin عام 2018”.. حياد إيجابي فيما خَصَ محاولات تل ابيب اخراج إيران من سوريا ربما يكون اختزل موافقة ضمنية مكتومة الى حد ما .. تشجيع الوساطة اليابانية أو سواها لدفع الجانبين الاميركي و الإيراني الى طاولة المفاوضات بما يخفف التوتر في الإقليم و يطفئ احدى شرارات المواجهة المشتعلة ..
في المقابل ، فإن ما يمكن إستشرافه يأتي من خلال قراءة معمقة لما سيتبع هذا الاجتماع من أحداث سواء في المفاصل السياسية أو العسكرية ثم تحليل المعطيات في الأبعاد و الانعكاسات بما يؤدي الى توقع خريطة الطريق المستقبلية المحتملة و بنسبة عالية من الموضوعية .َ
ضمن هذا السياق ، تبدو جليةً مؤشرات الميدان المقلقة للغاية بدلالة ارتفاع نسبة الحوادث المحسوبة عددآ و نوعآ ، ليس آخرها اعتراض البحرية البريطانية يوم امس ناقلة النفط الإيرانية Grace -1 على مقربة من مضيق جبل طارق و لا اولها إسقاط طهران طائرة المراقبة الاميركية المسيرة RQ-4 Global Hawk ، أما عمليات القصف الجوي الاسرائيلي الصاروخي على مواقع الحرس الثوري و حزب الله في سوريا فَ سواء فُعِلَت أم لم تُفَعَل البطاريات الأربع لصواريخ S-300 الرادعة التي بحوزة الجيش السوري و المتمركزة على “جبل ألمشهد” 1027 m بجوار مدينة مصياف فهي من نوع الأضرار الجانبية Collateral Damage مقارنة بما يجري في مياه الخليج و المضائق “هرمز – باب المندب – جبل طارق” ذات الأهمية الاستراتيجية ..
توازيآ ، بصرف النظر عن الاستعراض الليلي ِللإنزال المروحي لمجموعة ألكوماندوس البريطاني التابع لوحدة SAS-22 على سطح الناقلة النفطية فإن ما يميز و يختلف عما سَبَقَ من حوادث ذات دلالة من حيث حجم الضرر هو أن إحتجازها يأتي في توقيت حساس متزامن مع اعلان طهران رفع نسبة تخصيب اليورانيوم عما هو محدد في ظل إعتراض أوروبي من أطراف الاتفاق ألآخرين معتبرين هذه الخطوة خرق واضح لاتفاق Luzon ..
بات طرفي الحبل مشدودين ، لن يتراجع الرئيس الاميركي دونالد ترامب أقله لحين إعادة إنتخابه لولاية رئاسية ثانية عن الحصار المفروض و العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران و ذلك إثْرَ إلغائه من جانب واحد الاتفاق النووي 5+1 .. كما ان طهران و بعد ان رسخت مكانتها ألجيوسياسية و الاستراتيجية إقليميآ إضافة الى تمكنها من رفع قدرات حزب الله في لبنان “الصواريخ ذات الدقة العالية” و كذلك نجاح مسعاها في ضم قوات الحشد الشعبي الى الجيش العراقي تحت نظر السفير الاميركي في بغداد Matthew Toler و دوائر السفارة ألأضخم في العالم فهي لن ترضخ لإملاءات واشنطن سواء بالعودة الى طاولة المفاوضات أو الخروج طوعآ من سوريا أو قطع الشريان البري حتى المتوسط ..
ألسؤال ألآني المطروح منذ البدايات و لا يزال ، هل ستنقطع جدائل الحبل المشدود فجأة بما لا يسمح بتلافي الحرب الشاملة أم تدريجيآ بما يضمن إرخاءه عند الاقتضاء تلافيآ للمحظور .؟ ربما يكون الجواب قد كتب في ملفات رؤساء مجالس الأمن القومي الثلاث و عليه سيبنى الكثير ..!
*عميد متقاعد .