الثائر العالمي هوتشي مِنه .. قائد الثورة الڤيتنامية التي انتصرت على استعمارين

 

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

قائد ثورة انتصرت على الاستعمارين الفرنسي والأمريكي. جمع في شخصيته الثقافة والفكر العسكري والثوري وسخّرها لتحرير وطنه وشعبه. إنه الزعيم الفـيتنامي هوتشي مِنه.
ولد هوتشي مِنه في أيار عام 1890 بمقاطعة أنكي يان الفيتنامية. ونشأ ضمن عائلة تناهض الاستعمار الفرنسي الذي كان يحتل فيتنام. وعلى الرغم من أن والد هوتشي مِنه رفض تعلّم الفرنسية، فقد أرسل ابنه الى مدرسة فرنسية لاقتناعه المتأخر بأن تعلّم لغة العدو تساعد على مواجهته وهزيمته. ولاحقاً عمل هوتشي مِنه مدّرسا ثم أصبح بحاراً فجاب عدداً من الدول التي كان معظمها تحت الاستعمار الفرنسي.
عام ألف وتسع مئة وسبعة عشر وخلال إقامته في باريس، تعرّف هوتشي مِنه إلى الفكر الماركسي، واعتنق مبادئه. وكان من أوائل أعضاء الحزب الشيوعي الفرنسي الذي أسّس عام ألف وتسع مئة وعشرين. وزار الاتحاد السوفياتي عام ألف وتسع مئة وأربعة عشرين .
شهد مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين صراعَ نفوذ وحروباً سرّية بين عدد من الدول للسيطرة على الدول التي كانت تعرف باسم الهند الصينية والتي تضم عدداً من البلدان ومنها فيتنام. وقد استفاد الـفــيتناميّون من هذا، فانطلقت حركاتهم الثورية للتحرر من الاستعمار الفرنسي. ولهذا حصل اتفاق بين الدول الأوروبيّة على ملاحقة الرموز الوطنية المناهضة لوجودهم في الهند الصينية، فقامت الشرطة البريطانية بإلقاء القبض على هوتشي مِنه خلال وجوده في هونك كونغ عام ألف وتسع مئة وواحد وثلاثين. وبعد خروجه من السجن عام ألف وتسع مئة وأربعة وثلاثين سافر الى موسكو ليجد أنها قد تغيرت كثيراً تحت حكم جوزيف ستالين، حيث لم يعجبه ما عاينه من سلطة حديدية وحكم بوليسي. ويذكر أن ستالين كان يكره هوتشي مِنه بالرغم من حاجته الماسة له لنشر الشيوعيه في ﭬـيتنام.
عام ألف وتسع مئة وثمانية وثلاثين سافر هوتشي مِنه الى مدينة غويلين الصينية، وعمل في إحدى الصحف الصينية وفي الوقت نفسه كان يراسل صحيفة notre voix الـﭭـيتنامية.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام ألف وتسع مئة وتسعة وثلاثين ، واحتلال ألمانيا النازية فرنسا، وجد هوتشي مِنه أن الظروف باتت مؤاتية لتحرير بلاده، وخصوصاً مع إعلان اليابان الحرب على دول الحلفاء، وغزوها الهند الصينية. في أواخر عام ألف وتسع مئة وأربعين شكّل هوتشي مِنه منظمة “ﭬـييت منه” العسكرية التي بدأت شن حرب عصابات ضد القوات الفرنسية، ولاحقاً أخذت تقاتل القوات اليابانيّة الغازية بدعم عسكري من الاتحاد السوفياتي. وفي أيلول عام ألف وتسع مئة وخمسة وأربعين ومع استسلام اليابان وانتهاء الحرب العالمية الثانية، استفادت قوات “ﭬـييت منه” من الفراغ الذي حصل، فباتت في وضع يمكّنها من السيطرة على البلاد، فأعلن هوتشي مِنه تأسيس جمهورية ﭬـييتنام الديمقراطية. لكن هذا الإعلان كان قد سبقه اتفاق سري بين الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة، قضى بتقسيم ﭬـيتنام الى دولتين شمالية تحت نفوذ الصين، وجنوبية تحت نفوذ بريطانيا. لكن فرنسا رفضت الاعتراف بهذا الاتفاق، وعادت إلى ﭬـيتنام ورفضت الاعتراف بجمهورية ﭬـيتنام الديمقراطية فاندلعت الحرب مجددا.
خاض هوتشي مِنه معارك عنيفة لإجبار الفرنسيين على الانسحاب من بلاده، وكانت هذه المعارك مرهقة ومكلفة لقوات الاستعمار الفرنسية، حيث استفاد هوتشي مِنه من الدعم الكبير الذي تلقّاه من الصين والاتحاد السوفياتي، وبات يسيطر على القسم الشمالي من ﭬـيتنام. عام ألف وتسع مئة وأربعة وخمسين أقرت فرنسا بهزيمتها العسكرية، وأعلنت استقلال دول الهند الصينيّة وهي ﭬـيتنام ولاووس وكمبوديا، وعينت “باوداي” رئيساً لـﭭـيتنام الجنوبية لتكريس الصراع بين الفـيتنامين، ويبدو ذلك حربا أهلية ذات امتداد دولي، ثم يطلب من الولايات المتحدة التدخل العسكري لمنع وقوع ﭬـيتنام في قبضة النظام الشيوعي.
دخلت الولايات المتحدة ﭬـيتنام الجنوبية لدعم الحكم الموالي للغرب، فيما دعيت الأطراف المتحاربة إضافة للصين للمشاركة في مؤتمر جنيف لتسوية المشكلة الـﭭـيتناميّة. وانتهى المؤتمر بعقد اتفاقية جنيف في تموز عام ألف وتسع مئة وأربعة وخمسين ، وقد نصّت الاتفاقية على تقسيم ﭬـيتنام إلى شمالية ،عاصمتها ﭘـنوم ﭘِـن وجنوبية ،عاصمتها سايـﮕـون.
لم تصمد اتفاقية جنيف أكثر من سنتين، لتندلع الحرب مجدداً عام ألف وتسع مئة وستة وخمسين بسبب تنامي الوعي الوطني، وتزايد المعارضة لنظام الحكم الموالي للغرب في سايـﮕـون. أخذت الحرب تتوسع في ﭬـييتنام الجنوبية على شكل حرب عصابات فشملت مؤسسات الحكم والوجود العسكري الأمريكي، وبدعم من الحزب الشيوعي الـﭭــيتنامي بزعامة هوتشي مِنه أسس الـﭭـيتناميون الجنوبيّون الفـييتكونغ أي جبهة التحرير الوطنية لجنوب ﭬـيتنام.
عام ألف وتسع مئة وأربعة وستين أطلق الرئيس الأمريكي المنتخب جونسون عملية الرعد العسكرية، التي هدفت إلى تدمير قوات ﭬـيتنام الشمالية الداعمة لجبهة التحرير الوطنية لجنوب ﭬـيتنام. كان مقرراً لهذه العملية أن تستمر خمسة وأربعين يوما، ولكن فشل العملية أدّى إلى استمرارها ثلاث سنوات، أقحمت خلالها الولايات المتحدة في الصراع عشرات الآلاف من جنودها، وأسقطت مليون طن من القنابل. قاد هوتشي مِنه في تلك الفترة بلاده في حرب دامية بكل معنى الكلمة، أظهر خلالها مهاراته السياسية والعسكرية والدبلوماسية. فحصل على دعم الاتحاد السوفياتي، واستنزف قوات الاحتلال الأمريكي، ليتمكن بالتدريج من نقل زمام المبادرة إلى قوات الـﭭـييتكونغ.
تحوّل التدخل الأميركي إلى أزمة حقيقيّة، ما جعل الإدراة الأميركيّة تقرر الانكفاء التدريجي من المستنقع الفيتنامي، وهو ما انعكس على مجريات القتال، فبدأت القوات الجنوبية تتراجع، فيما قاد هوتشي مِنه عملية عسكرية جريئة هاجم خلالها ستة وثلاثين مدينة دفعة واحدة، ومنها سايـﮕـون عاصمة ﭬـييتنام الجنوبية.
توفي هوتشي مِنه في أيلول عام 1968 دون أن يشهد تحقق حلمه بتوحيد ﭬـيتنام وتحريرها. ولكن القيادة الـﭭـيتنامية أكملت الخطة التي كان قد رسمها وبدأ بتنفيذها قبل وفاته، وفي عام ألف وتسع مئة وثلاثة وسبعين أعلن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وﭬـيتنام الشمالية. عام ألف وتسع مئة وخمسة وسبعين سقطت سايـﮕـون في قبضة قوات الـﭭـييتكونغ، حيث أعلن توحيد البلاد تحت اسم جمهورية ﭬـيتنام الاشتراكية، وغيّر اسم المدينة إلى “هوتشي مِنه”، تخليداً لذكرى القائد الـﭭـيتنامي الذي غدا رمزاً للقيادة العسكرية والسياسية الناجحة، وبطلاً من أبطال الحروب الثورية في العصر الحديث.