التعادل السلبي ..!

بِقَلَم ألعَميد مُنْذِر ألأيوبي*
أربعون يومآ بلياليها ألحالكة و ألحكايا ألمؤرقة مع صخب إعلامي مبرر و مرافق ، حلقات انقطاع وصل وحفلات عودة وصال ، مطالب من هذا ، تشنج و رفض من ذاك ، رفع سقوف و مزايدات ، طعن بالامن و تطاول على القضاء ، ميلودراما Melodrama حية عبثية و كارثية هذا ما شهده صيف تموز شهر الرياح الغربية الموسمية و ألحرارة ألمرتفعة ..
منذ ما قبل دفن ضحيتي قبرشمون ، تتالت ألإتهامات بجدارة و تهاوت الفيديوهات و التغريدات
و الوساطات بغزارة حتى “ذاب ألثلج و بان ألمرج” أصفرآ قاحلآ ، كثبان رمل الكسارات ، سواد ليل ألزفاتات ، رائحة قاتلة مسرطنة من نفايات و عوادم مصانع الموت إضافة إلى خلفيات إنتخابية ، أسباب شخصية و مآرب أُخَر..
في حمأة ما تقدم ، صدر بيان ألسفارة ألأميركية في بيروت مفتاحآ مُتاحآ و مؤكدآ في قفل أزمة ، متضمنآ أسطرآ لا يتجاوز عددها خطوط العلم الاميركي ألحمراء أل 13 لكن في طياته ألف رسالة .! فَهم ألجَمعًُ على ألطاير – لا ضرورة للتمعن أو تحليل ألمضمون يكفي قراءة ألعنوان و ملامسة شعار ألسفارة Raised-Logo في يسار أعلى ألصفحة حتى تنساب الاتصالات الخليوية و الأرضية بسلاسة ، يحدد موعد ألاجتماع في بيت ألشَعب تُظَهر صورة خماسية ألأبعاد مصالحة و مصارحة “ألدم رخيص” – ثم من أول و جديد – رحم الله الضحايا و شفى ألجرحى .!
لم تكلف ألسفيرة ألأميركية إليزابيث ريتشارد Elizabeth Richard عناء متابعة رجال ألدولة أللُبنانيَة ألعميقة على وسائل الإعلام و لا إبتساماتهم ألموجهة أليها ضمنيآ إشارات إلتزام ، تلبية قرار و تفهم تحذير فهي أدرى بألبيت و ما فيه ، ألقناع ألميكافيللي Machiavellian Mask يعتلي وجوه الجميع
هو وفق تعريف قاموس أوكسفوردتوظيف المكر والازدواجية (الخداع) فيالكفاءة السياسية
أو في السلوك العام، هو أيضاً مصطلحيعبر عن مذهب فكرى سياسى أو فلسفىإعتمد في لبنان يمكن تلخيصه بِعبارةالغاية تبرر الوسيلة“…! أما في مقاهي ألمُعسَل من أزقة خان ألخياطين و سوق ألنحاسين ألطرابلسي إلى ورشة ألفلايك و سوق ألإسكافية ألصورِي فقد تندر الناس “ألموزاييك”
بلقاءٍ عَدوه تكاذبآ إلى أي مذهب أو طائفة إنتموا و مع أي حزب أو تيار إنضووا ، ثم تلوا ألرحمات على ألأموات و انتهوا بعبارة – “راحت ع يللي راح” .!
ضمن هذه ألمشهدية ، يمكن قراءة عدة معطيات و على عدة مستويات سواء إستراتيجية ، سياسية
أو تكتية .. مما لاشك فيه أن لبنان لايزال تحت عين ألمراقبة ألأميركية ألمشددة لجملة أسباب منها
ما يختص بألوضع جنوبآ ، تمويل حزب الله كذلك العقوبات التي تفرض تباعآ و تصاعديآ عليه و على قادته .! ثانيها تأخير عودة ألنازحين ألسوريين إلى وطنهم لحين ظهور خيوط التسوية السياسية و مناطق النفوذ و بألتالي توزيع حصص و إستثمارات إعادة ألإعمار ألمرتقبة ..! ألإهتمام بإطلاق ألمشاريع الممولة من قروض الدول المانحة و التي أقرت في مؤتمر “سيدر” ، تلافي انحدار إضافي للتصنيف ألمالي ألسلبي للبنان من قبل ألمنظمات و الصناديق الدولية ، كما أن تحييد البلد عن حرائق المنطقة و الخرائط ألتي بدأت آجالها تُستحق قرار مضمون و من أساسيات ألسياسة ألأميركية حتى ألآن .!
في نفس ألسياق ، تعتبر ألسفيرة ألأميركية أن عودة ألحكومة إلى ألإجتماع بعد فك أسرها و تحريرها ضرورة لتهدئة ألأمور و إنجاز الكثير من الملفات العالقة .! كما ظهر جليآ أن من إرتدادات ألبيان ذو الصفة التحذيرية تحول ألإنقسام الحاد العامودي بين ألأفرقاء إلى أفقي قابل للمعالجة و لو على مضض .!
حسنآ فعلت ألسفيرة E.Richard مشكورة ، و سواء أعتُبر ألأمر تدخلآ خارج ألعُرف ألديبلوماسي
في الشؤون الداخلية أللُبنانيَة أم جرى تفهمه ، فمن ألثابت أنه دليل قصور سياسي ، إنعدام كفاءة
و نقص أهلية في إدارة شؤون ألوطن ألجريح – لا ألسليب حتى ألآن ..! كانت نتيجته تصفير ألمزايدات
و “نَتعات” طرفي ألنزاع ألمحليين و إعادتهم إلى ألنقطة صفر .!
بألمقابل قد يدفع خيلاء و سخف بعض ألسياسيين ألى ألإعتقاد ان بيان السفارة الاميركية سيكون خلال ساعات على طاولة مديرة الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض السيدة “مرسيدس شلاب” Mercedes Schlapp لإطلاع ألرئيس ترامب على ما جرى و هو بألكاد “ألبيان” سيحفظ ضمن أرشيف عوكر ..!
توازيآ ، لا تزال ألمظلة ألأميركية تضع لبنان ضمن دائرة ألرعاية بدرجة B – و بألتالي فإن كل ما يحدث من فساد و هدر و سرقات أمر داخلي متروك للضالين و لعله أمر مُحَبذ .! أما ألمسارين ألأمني و ألقضائي فهما كالمعتاد ًيدوران في فلك ألتسوية و ألمصالحة ضمن روحية التوازنات اللبنانية ألداخلية الضامنة للديمقراطية التوافقية و الحلول ألقبلية بِ “ألرضى ألمعيوب” إذ أن كلا ألجهازين محكومين بِألأطر التي رسمها أطراف الحل الخماسي .!
ماذا عن ألضحيتين ؟ لطالما تآلفت ألسياسة و إبتدع ألساسة نظرية لفلفة ألملفات أو وضعها في ألأدراج ، بعضها تحت عنوان المصلحة الوطنية ألعُليا Raison D’Etat و قسمها ألآخر ألمتجانس مع العقلية العشائرية و القبلية لضرورة “حقن ألدماء”؟ هذا مَا تتهم به مناطق ألأطراف ألمهمشة علمآ أنه بات حقيقة طاغية وصلت عدواها إلى مدينة ألحرف و “مشروع ليلى” ..!
من جهة أخرى ، تتناقل ألألسن و وسائل التواصل الاجتماعي عبارة واحدة “لقد قُتِلوا مرتين”.! إذ لا مال يُعوض ألأبناء و لا ألالتزامات ، إسقاطات الحق الشخصي ستوقع وفق رغبة الزعيم تكريسآ لزعامته و رعايته ألأبوية للطائفة أو جزء منها .!
خِتامَآ ، لا عِبرة لمن لا يَعتبِر ، في ألكُل للكُل فوضى في غابة بوهيمية تجدها في نصوص أللصوص The Robbers للمسرحي ألألماني Friedrich Schiller .. تبقى ألخسارة جامعة ، عيون ألأهل دامعة ، ألناس خاضعة ، ألأضحى حزين و أللبيب من ألإشارةِ يَفهَمُ ..!
*عَميد كاتِب و باحِث.
بيروت في 11.08.2019