“الاصدقاء الثلاثة” للفنان الصيني دون هونغ واي ..لوحة شاعرية عن عالم قائم بذاته

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

من المعروف أن الرسم الكلاسيكي الصيني يحتفي بالطبيعة وعناصرها إلى درجة التقديس. لذا نرى تلك الرسومات مليئة بصور القوارب والجبال والأنهار والغرانيق والنوارس والنمور والجياد البرّية والنسور وأزهار اللوتس وأشجار الخوخ والصنوبر.
في هذه الصورة يلتقط المصوّر مشهدا هادئا من الريف الصيني هو عبارة عن بحيرة يقوم على احد أطرافها جسر خشبي ويسبح في مياهها ثلاثة من طيور الماء تبدو منشغلة في التقاط الأسماك الصغيرة.
منظر التلال التي يغطّيها الضباب في الخلفية، بالإضافة إلى خلوّ هذه الصورة من أيّ حضور للإنسان، يذكّرنا مرّة أخرى باللوحات الصينية القديمة. وبعض تلك اللوحات هي عبارة عن مناظر بانورامية لطبيعة تظهر فيها سهول فسيحة وبحيرات واسعة وغيوم كثيفة وجبال ضبابية تحجب وجود الإنسان أو تختزله إلى مجرّد نقطة شبحية وضائعة وسط الحضور المهيب والطاغي للطبيعة.
في هذه الصورة تمكّن الفنّان من التقاط منظر شاعري عن عالم قائم بذاته، لكن بأقلّ قدر من التفاصيل. والمنظر يوصل إحساسا انطباعيا بالجوّ، كما أنه يوحي بمرور الزمن دون أن يكون عن زمن محدّد بالضرورة.
ولد دونغ هونغ واي في غوانتزو بالصين عام 1929. كان الابن الأصغر لعائلة فقيرة تضمّ خمسة وعشرين طفلا. وبعد موت والديه، سافر ليعمل في سايغون بـ فيتنام. هناك عمل في احد استديوهات التصوير وتعلّم التقنيات الأساسية للتصوير الفوتوغرافي. ثم درس الفنّ في جامعة فيتنام وأصبح بعد تخرّجه مدرسّا للفنّ فيها.
وأثناء إقامته في سايغون، عمل فترة مع المصوّر الفيتنامي المشهور نك اوت الذي نال جائزة البوليتزر عام 1972 عن لقطته الايقونية التي صوّر فيها أطفالا يهربون من جحيم قنابل النابالم التي استهدفت إحدى القرى الفيتنامية.
في ما بعد، اضطرّ دون واي إلى مغادرة فيتنام مع ظهور بوادر النزاع الذي نشب وقتها بين كلّ من فيتنام والصين. كانت فيتنام قد اتخذت إجراءات مشدّدة للتضييق على الجالية الصينية التي تعيش في البلاد. وقد وجد دون واي نفسه واحدا من ملايين الصينيين الذين أصبحوا يُعرفون بسكّان القوارب ممّن اضطرّوا للهرب من فيتنام في أواخر سبعينات القرن الماضي.
غادر دون واي فيتنام على متن قارب صغير. وانتهى به المطاف في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة التي عاش فيها السنوات العشر الأخيرة من حياته.
وفي أمريكا بدأ اسمه يذيع ويشتهر. وسرعان ما اعتُرف بموهبته ونالت صوره عددا من الجوائز العالمية. كما وجدت طريقها إلى بعض أشهر الغاليريهات والمتاحف والمجموعات الفنّية الخاصّة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
دون واي استطاع من خلال صوره الرومانسية الداكنة والأحادية الألوان أن يحتفظ لنفسه بمكانة بارزة في مجتمع التصوير الفوتوغرافي العالمي. وقد ظلّ محافظا على روح الفنّ الصيني في أعماله حتى وفاته عام 2004 في سان فرانسيسكو عن عمر ناهز الرابعة والسبعين بعد جراحة فاشلة في القلب.
وبعد وفاته، تمّ إحراق رفاته ولم تُقم له جنازة تذكارية بناءً على طلبه.