بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
يَومَ ألثلاثاء 7 ألجاري هبط “ألكرملين ألطائر” و هو ألأسم الذي يطلق علىألطائرة ألرئاسية ألروسية نوع “إليوشين” lyushin Il-96-300PU of Ros تحملألرقم R-96016 على ألمدرج ألخاص فيمطار دمشق ألدَولي و على متنها ألرئيسألروسي فلاديمير بوتين بِألتَزامُن كانَتتهبط أيضآ طائرة وزير الدفاع “سيرغيشويغو” و الوفد العسكري المرافق ؛ أماسرب طائرات ألحماية 8 طائرات نوعSukhoi Su-57 ألمقاتلة ألأحدث منالجيل ألخامس فقد إنكفأ ليتولى مهمةعزل ألفضاء ألسوري عن أية إنتهاكات .. فور إنطلاق ألموكب إلى مقر ألقيادة وألعَمليات و تجمع القوات ألروسية غربدمشق كان ألرئيس ألسوري بشار ألأسديتجه لملاقاة نظيره ألروسي في ألقاعدةألعسكرية ..
إجتماعين متلاحقين عقدهما ألرئيسانأحدهما مغلق على إنفراد و ذلك بعدإستماعهما إلى تقارير و شروحات منقائد ألقوات ألمظلية ألروسية “أندريهسيرديوكوف” و هو أيضا قائد الوحدةالروسية في سوريا حول ألوضع ألعَسكَريفي ألمناطق ألساخنة و جبهة إدلب إضافَةًإلى ألإستقرار ألثابت في معظمألمحافظات ألسورية ..!
مِما لا شك فيه أن ألزيارة ليست رئاسيةرسمية (دونَ تبرير) ما فسره مراقبين أنَهُانتقاص من ألسيادة ألسورية أو إستخفافآبألأسد على خلفية عدم زيارته قصرألمهاجرين ، إذ أن بوتين ألعَسكَريألجذور
و ألفكر إنطلاقآ من واجبه كرئيس ألدَولَة معني بتفقد “ألفتيان ألجنود” Soldat Mal’chiki أولآ ثم معايدتهم بمناسبة عيدألميلاد ألأرثوذكسي ألمجيد كَما أن زيارتهعِدَة أماكن في ألعاصمة دمشق بمرافقةألأسد كان أهَم و أكثر وقعآ ..!
في سياق متصل ؛ ألمواضيع ألتي بحثتأساسية طبعآ أهمها تثبيت ألتحالفألقائم في ظل ألتحولات ألإقليمية وألمستجدة ، خطط مُتابَعَة ألجهودألمشتركة في مكافحة ألإرهاب و تنظيفألجيوب ألمتبقية و ألمفترضة للتنظيماتألإرهابية في ألمناطق ألمحررة مؤخرآ ،تطورات ألوضع ألعَسكَري في شمال وشمال شرق سوريا مَع تقييم إنتشارألقوات ألتركية في ألعُمق ألسوري وألجبهة ألمفتوحة مع وحدات حماية الشَعب ألكردية ، ألتواجد ألعسكريألأميركي في ألقواعد ألمنتشرة ضمنحقول ألنفط شرق سوريا (جبسة جنوبيمدينة ألحسكة – تل بيدر شمال غرب وحقل ألعمر ألنفطي ريف دير ألزور)،مُتابَعَة ألمسار ألأساسي للحل ألسياسي“مسار أستانة” لتحقيق أهدافه في تعميمألإستقرار و ألأمان في جميع ألمناطقالسورية كذلك تلبية مصالح الشعبألسوري و مطالبه ألسياسية مع الحفاظعلى وحدة سوريا بما يدفع نحو توفيربيئة إقتصادية و إجتماعية تؤمن ألأنطلاقفي مسيرة إعادة ألإعمار ..
إختصر ألرئيس بوتين مضمون ألزيارة بماصرح به ألناطق بإسم ألرئاسة ألروسية“ديمتري بيسكوف“: “إلى أنه اليوم ،يمكن القول بيقين إنه تم اجتياز طريقهائل نحو إعادة ترسيخ الدولة السورية و وحدة أراضيها”.. أما الرئيس السوري فقدعبر عن امتنانه للمساعدة و ألدعم و تضحيات الجيش الروسي في المعركةضد الإرهاب و من أجل عودة السلام إلىسوريا“..
من جهة أخرى ، دون ألتعمق فيألتفاصيل أللاهوتية يُعتبر عيد ميلادألسيد ألمسيح أليوم ألأكثر قداسة و رُبَماألأكثَر أهمية لدى ألمسيحيين ألغربيينفي حين أن عيد ألفصح ألمبارك لدى ألأرثوذكسية هو في المكانة الأولى حيثتتجسد ألعقيدة ألمسيحية بألصلب وألقيامة ..
قد تعود هذه ألمكانة أو تأخذ بعدآ آخرآ ناتجآ عن الكثير من ألصعوبات و ألتهديدات التي مر بها و تعرض لها ألمسيحيين ألشرقيين منذ ألقَرن ألسابع ألميلادي في محطات كثيرة إبتداءً من الفتوحات ألإسلامية إلى إنقلاب أللاتينية على ألبيزنطيين و إحراق ألقسطنطينية كذلك ألأضطهاد من ألشيوعية ألملحدة ، إذ ظلم ألملايين من ألمؤمنين ألأمر ألَذي كان له تأثيرآ كبيرآ على طقوس ألكنيسة فكان التركيز على رسالة ألفصح و معانيه ألموت و أليأس و ألقيامة ألمجيدة ..
من هذه ألزاوية ألإيمانية ألمُنطَلَق يُمكِن إستشعار رؤية ألرئيس بوتين ألعقائدية ألدينية بإعتباره ألأرثوذكسية جوهر ألأوراسية ألجيوسياسية ، كما يعتبر روسيا حاميتها و درعها و أن مصير ألمسيحية في العالم يقع على عاتقها في ظل ألإنكفاء ألأميركي و الغربي عامةً عنألإلتزام ألديني ألمسيحي و تسيدألعلمانية ..
إستطرادآ ؛ أتت جولة ألرئيس بوتينألتفقدية في أحياء دمشق غير مسبوقةحيث قصد خلالها ألكاتدرائية ألمريميةمقر بطريركية إنطاكيا و سائر ألمشرقللروم ألأرثوذكس مستقبلآ بحفاوة منألبطريرك يوحنا ألعاشر أليازجي ثم رفعتألصلاة من أجل السلام ، ألجولة شملتأيضآ ألجامع ألأموي ألكبير ألذي يحتضنضريح “ألقديس يوحنا ألمعمدان – ألنبييحيى عليه ألسلام لَدى ألمسلمين“.. يوحنا ألمعمدان هوَ من عمد ألسيدألمسيح ؛ أحد قديسي ألأرثوذكسية و ألمسيحية عامة يؤتى على ذكره كل يومثلاثاء على مدار ألعام و من ألملاحظ أنزيارة ألرئيس بوتين دمشق تمت ألثلاثاءأيضآ و هذا إيمانآ لا إرتجالآ ..!
تقييمآ ، ألزيارة ثلاثية ألأبعاد شكلآ ومضمونآ : تثبيت ألنفوذ ألروسي و ألدورألمتعاظم في ألإقليم من ألمنظورألإستراتيجي – رعاية من رأس ألهرم للوجود ألشرعي للقوات ألعسكريةألروسية في سوريا ماديآ و معنويآ لا سيمابعد إنشاء ألقاعدة ألعسكرية ألروسيةألضخمة مؤخرآ في منطقة “ألبجاع” ريفدمشق التي تضم معسكر ألقوات ألخاصةألروسية ، راجمات ألصواريخ ألثقيلة(ألإعصار) Uragan BM-27 و قَواعدصواريخ TOS-1 Buratino “ألشمس ألحارقة” ألفائقة ألتَدمير – ضمانةلمسيحيي ألشرق ألأرثوذكسي بموازاةدعم ألجهود لترميم و الحفاظ على وحدةألكنائس ألأرثوذكسية لا سيما بَعدَ إنشقاقالكنيسة الاوكرانية عن وصاية ألكنيسةالروسية عام 2019 بقرار من بطريركألقسطنطينية برتلماوس ألأول و علىخلفية سياسية بحتة ..
توازيآ ؛ بَعدَ سوريا فإن زيارة تركياألمقررة مُسبقآ لا علاقة لها بتداعياتاغتيال قائد فيلق القدس في الحرسالثوري الإيراني اللواء قاسم سليمانيبغارة أميركية يوم ألجمعة ألماضي و إنتم ألتطرق إليها حَتمَآ بين ألرئيسينبوتين و اردوغان إنما هي بهدف تدشينأنبوبي ألغاز “ألسيل ألتركي” Turk Stream أحَد شرايين ألعلاقاتألإستراتيجية بين أنقرة و موسكو ألَذييغذي تُركيا و دوَل شرقي و جنوبي أوروبابطاقة 16 مليار برميل سنويآ ؛ كَماسيجعل “ألسيل ألتركي” من أنقرة مركزآإقليميا لتخزين و تصدير ألغاز بِما يؤكدأهمية موقعها ألجيوسياسي و أمن مصادرألطاقة ..!
مما لا شك فيه أن ألملف ألسوري هو أحدجوانب مباحثات ألقمة بين ألرئيسينبوتين – اردوغان ، من نتائجه ألتَويَّةاعلان وزارة الدفاع ألروسية عن تلبيتهاطلب ألجانب ألتركي و بألتفاهم معه بدءعمل نظام وقف إطلاق ألنار و ألهدنة فيمنطقة إدلب شمال غرب سوريا و ريفهاألجنوبي خاصَةً بعد تحقيق ألجيشألسوري ألنظامي تقدمآ ملحوظآ و محسوبآ سمح له بوضع أليد على ألطريق ألدوليM5 ألإستراتيجي على تخوم مدينة معرةألنعمان ..
أما ظِل ألتوتر ألإيراني – ألأميركي ألأقصىExtreme Tension فقد كان مخيمآ علىألإجتماع إذ أن عملية إغتيال ألجنرالسليماني تقوض أمن واستقرار المنطقةمَع تسجيل علامة مؤكدة أن كلا ألطرفينلا يريد حربآ مفتوحة ألأمر الذي يفسحالمجال لحوار ألتبريد ؛ و وفق أنظمةألمراقبة فإن عملية “تقليص تمدد” Expansion Réduction تنفذها ألقواتألأميركية حاليآ شرق نهر ألفرات بعدإغتيال ألجنرال سليماني .. أردوغان وبوتين مقتنعان أن ألمطلوب حَاليَآعقلانية أميركية مبرمجة تفسح ألمجالللتخفيف من ألتخندق ألسياسي ألعدائيو ألميداني في ألإقليم ألقابل للإنفجار فيأية لحظة .. لا تماهٍ سياسي تُركيإستراتيجي مع ألولايات ألمتحدة هومضمون مختصر للمباحثات فألشرقألروسي أقرب و أجدى ..!
ختامآ ، في 25 أيلول عام 1920 دخلألجنرال الفرنسي هنري غورو مدينةدمشق بعد أن هزم جيشه قوات ألأميرفيصل بن ألحسين في معركة “ميسلون” ،ثم توجه إلى ضريح ألقائد ألإسلاميصلاح ألدين ألأيوبي قائلآ “ها قد عدنا ياصلاح ألدين” متشفيآ مِنهُ لدحره ألإفرنج و في إشارة إلى عدم نسيان ألهزيمة خلالألحروب الصليبية و تحرير ألسلطانألأيوبي بلاد ألمشرقو مدينة ألقدسألشريف ..
أما ألرئيس الاميركي جورج بوش ألأبنألمتأثر بألأصولية ألإنجيلية ، فقال موصفآ ألحرب على ألإرهاب إثر هجمات 11/09ألدموية بأنها حملة صليبية ستأخذ وقتآ طويلآ :
.. This crusade, this war on terrorism is going to take a while
بعد مئة عام و رغم أن جيوشه و أساطيله ألبحرية تَتسيد ألإقليم ألشَرق أوسطي دخلألرئيس ألروسي فلاديمير بوتينألأرثوذكسي دمشق زائرآ لا غازيآ متباركآمن مقام ألمعمداني ثم قصد ضريحألأيوبي متلمسآ بيديه ألقبر و نبالةألسلطان بوقار ألمؤمن معبرآ عن عقيدةمسيحية مترفعة هي بوجهها ألمشرقيتفسير للآية ألكريمة ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً للّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالّذينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)– سورة ألمائدة 5-82 ص ا ع ..
بيروت في 10.01.2020
*عميد،باحِث و كاتِب.
