إنطفاء شاشة “المستقبل” يزيد العتمة في بلادنا

 

 

عباس صالح

منذ العام 2005 وأنا أشعر بغربة تلفزيون المستقبل، على أكثر من صعيد.
أحسست يومها ان شاشة آل الحريري هجرت ذاتها، وتنكرت لمبادئها ولمصالحها أيضاً، واستغربت أمعان القيمين عليها، في تهديم صرح بناه الرئيس الراحل رفيق الحريري مدماكاً مدماكاً، حتى أوصله الى النجومية في فضاء العرب.
منذ حينه، لم أجد نفسي يوماً متوافقاً لا مع التوليفة الاخبارية، ولا مع المقاربات السياسية للمحطة التي انزلقت في لعبة التحريض والتوجيه والفبركة وشحن النفوس ودخلت في لوثة الضخ الطائفي حيناً، والمذهبي أحياناً، الى ان اصطدمت بحتمية انكشاف الحقائق العارية.
والحق يقال، أن بعضاً من عقلاء القيمين على المؤسسة الإعلامية ذات الجمهور الواسع والمؤثرة في واقعها، حاولوا جاهدين إعادة دوزنة الخطاب الاعلامي بما ينبغي، ونجحوا في أحيان كثيرة، الا ان اصحاب الرؤوس الحامية كانوا اكثر تأثيراً وأقوى نفوذاً ، وقد جنحوا بها نحو “الخطاب الحربي” وقيدوها بالايديولوجيات المتناقضة، وانتهكوا حياديتها المفترضة، وهبطوا بدورها الى ما دون الحضيض، بعدما نجحوا في تحويلها الى “صوت فئوي” يعبر عن وجهة نظر معينة ومحددة!.
مع ذلك، فقد بقي ل”المستقبل” مكاناً في وجدان اللبنانيين والعرب، وذكرى جميلة لمحطة كانت بمثابة واحة فرح، ومصنع نجوم، وشاشة بوجه مدني متحضر.
رغم كل شيئ، كان يمكن النظر الى “المستقبل” بوجهها الايجابي المشرق، على انها شاشة مضيئة على طريق التنوير الانساني .. واليوم إنطفأ هذا الضوء مراكماً ظلاماً فوق الظلام العميم.
لذلك أشعر الآن ان قرار إقفال تلفزيون المستقبل يبعث على الحزن، لأنه اولاً يزيد من مساحة العتم في بلادنا، وثانياً يفقد الاعلام اللبناني إحدى ركائزه الاساسية، فضلاً عن انه يؤدي الى تشريد مئات العائلات من العاملين والموظفين ورميها في مهب البطالة والحاجة والفاقة والعوز.
حقاً، إنه يوم حزين في تاريخ الاعلام اللبناني.