إستراتيجية الرعب …

 

 

بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي *

يمر لبنان حاليآ بمنخفض جيوسياسي وامني حيث تتكثف كتل من الغيوم تحل في طبقاتها جرائم قتل وسرقات وسطو وخطف لقاء فدية الخ .. تعم معظم المناطق مع ضباب فتنوي مذهبي حاجب للرؤية وغزارة في الامطار لاخبار تتداول عن ضربات عسكرية للعدو تستهدف المناطق الجنوبية وقد تمتد نحو العاصمة تصاحبها رياح غربية تلفح في عقوباتها كثير من السياسيين وقد تمتد الى امنيين لاحقآ ..
تاليآ دون الدخول في تفاصيل وظروف سقوط تجربة السفير مصطفى اديب في مهدها مِن ثم تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة المرتجاة الانقاذية فقد نالت ورقة المبادرة الفرنسية من التعليقات والاجتهادات والتحليلات الكثير اذ لم تبقَ كلمة تضمنتها دون ان تقلب على اوجه عدة او تقرأ تفسيراتها مع تغيير مكانها في العبارة المركبة كذلك ومن منطلق ادراكي “ان احسن الخط ما يقرأ” فقد تناوب نحاة السياسة في تجربة كتابتها بالخط العربي الكوفي تارة وبالخط الفارسي تارة اخرى بما يتوافق مع رؤية كل فريق سياسي منهم على خلفية توالي التجارب اذ لا موالاة او معارضة عند استحقاق المصالح .. اما الصياغة بالاحرف اللاتينية الفرنسية فقد حيدت تمامآ لا احترامآ او التزامآ بل لثبوت ان النص الاجنبي يتعذر تحريفه او تأويله ..!
من جهة اخرى ؛ لم يكن مستغربآ لا بل ضروريآ ما تبثه الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي من تحذيرات لجهة انتشار وباء COVID 19 والدعوات لوجوب التزام المواطنين التدابير الاحترازية والوقائية رغم انتقادات تناولت مواقيت الفتح والاقفال وحركة المرور بين مفرد ومزدوج في حين بقي الصفر يتيمآ كحال اموالهم التي صفرت بين ليلة وضحاها ..
بالتوازي بصرف النظر عن السبب الاهم وهو الواقع المعيشي الصعب وارتفاع نسبة الفقر الذي يطرق ابواب الشرائح الاجتماعية على تنوعها ؛ فقد كان لافتآ ما تتضمنه بدايات النشرات الاخبارية والبرامج الحوارية و التغريدات من توقعات واستنتاجات عن وجود مخططات لهز الاستقرار الامني في البلاد عبر تحريك الخلايا الارهابية النائمة او الذئاب المنفردة بهدف تنفيذ اغتيالات او زرع عبوات في الكنائس ودور العبادة او وضع سيارات مفخخة في اماكن التجمعات مستغلة جملة من المعطيات والظروف التي قد تسمح او تسهل هذه الارتكابات منها محليآ الفراغ السياسي في مرحلة ما بين التكليف وتأليف الحكومة ، ودوليآ الوقت المستقطع بين دخول جو بايدن المكتب البيضاوي وموعد اخلائه من قبل الرئيس دونالد ترامب ، واقليميآ تصويت الكنيست الاسرائيلي على مشروع قانون أولي لحل البرلمان وبالتالي انتخابات مبكرة مما يدفع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو على الهروب الى الامام متفاديآ اسقاطه عبر شن حرب خاطفة محدودة في الزمان والمكان على لبنان ، كما دخل في خانة هذه الاستنتاجات والاسباب مسارات التطبيع مع اسرائيل من قبل دول عربية واسلامية عدة كذلك المفاوضات الغير مباشرة لترسيم الحدود البحرية بالرعاية الاميركية وتعليقها مرحليآ ..!

شكلت هذه المعطيات وغيرها: « اغتيال العالم النووي الايراني ، الاستهداف المتكرر للسفارة الاميركية في بغداد بصواريخ الكاتيوشا ، دخول غواصة الصواريخ الموجهة الاميركية USS Georgia العاملة بالطاقة النووية مياه الخليج الفارسي ، أعلان القيادة المركزية للجيش الاميركي عن إرسال القاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى B-52) Strato Fortress) إلى الشرق الأوسط في مهمة وصفت بـ الطويلة مشيرة إلى أن هدفها ردع العدوان وطمأنة شركاء وحلفاء الولايات المتحدة دون تحديد مكان تمركزها » .. هي خلطة من الوقائع والاسباب اعتبرت نوافذ عبور لضرب الامن والاستقرار في الوطن الصغير على ما روج واذيع ..

استطرادآ، دخلت هذه المعطيات والتحليلات من قبل مروجيها او الناطقين بها كما نشرها في خانة ارباك الوضع الامني مسبقآ مؤدية غايتها سواء قصدآ او نتاج تردد وارتباك في محاولة خطأ لاعتبار او وضع هذه التحذيرات في خانة الامن الوقائي تقلب عند الاقتضاء لصالح الاداء الامني في حال فشل احباط اية عملية ارهابية او عند وقوعها .. ضاعف من وطأة القلق حصول عدة جرائم قتل في مناطق موحدة الانتماء الديني على حرفية مرتكبيها وفقآ لما تسرب او نقل عن مصادر امنية ، لكن احترافية القتلة او المجرمين لا تعفي او تعني فشل الوصول اليهم وتوقيفهم او تحييدهم (قتلهم) فهنا وان كانت المهمة صعبة الا ان الاجهزة الامنية باتت قادرة بما توفر لديها من امكانات ويجب ان تكون على مستوى التحدي في ضرب هذه العصابات وكشف المرتكبين والعابثين ..!

في سياق متصل ؛ و من منظور مختلف في التحليل يتساوى لا بل يتفوق على منظري توقع اهتزاز الوضع الامني او حصول الاشتباك الاقليمي بين الخطين المتوازيين واشنطن – تل ابيب و طهران – بيروت فهذا الخيار من الصعوبة بمكان اذ ان جنرالات البنتاغون ليسوا على استعداد لانقاذ الرئيس ترامب من سقوطه الانتخابي عبر حرب او نزاع عسكري مباشر مع ايران هم يكتفون حاليآ بمسايرته عبر تهديدات مدروسة مزمنة مترافقة مع نزهات ومناورات القطع الحربية لا سيما خلال المرحلة الانتقالية ولا تلك الاخيرة “ايران” ترغب بذلك .. اضافة الى ان جيش العدو ليس في حالة الاستعداد والقدرة على اقتحام الجنوب اللبناني ومقارعة حزب الله والجيش اللبناني برآ اذ سيقتصر هجومه على غارات الطيران الحربي الا ان الترسانة الهائلة من الصواريخ التي بحوزة المقاومة ستردعه عن الوقوع في ال « Game Over » بمعنى الدمار المتبادل الشامل ، كذلك فان المقاومة لا ترغب باستدراجها وفق استراتيجيتها الى حرب تتعارض مع بند هام “التوقيت المناسب” في امر العمليات المفترض ..!
في سياق متصل يمكن الاكتفاء به لختام المقال ؛ ان استراتيجية الرعب المتبادل اقليميآ تفرض نفسها على صرامة الحسم في تأهب الطرفين لعدم شن اية حرب من قبل العدو الاسرائيلي على لبنان . ثانيآ ان اية ضربة عسكرية اميركية ولو محدودة على ايران لن تؤدي الى انزلاق حزب الله نحو مواجهة مباشرة مع العدو ..
اما فيما يخص الوضع الامني الداخلي و ضَمان تماسكه فهنا لا مكان ل “استراتيجية الرعب المتبادل” Balanced horror strategy تأتي المعالجة ضمن بندين لا ثالث لهما ؛ الحسم التزام وقرار دائم عبر امن استباقي استخباراتي فاعل متزامن مع رفع حالة التأهب للقوى الخاصة بمكافحة الارهاب مترافق مع تنفيذ عمليات خاطفة لضرب اوكار معتلمة مسبقآ ؛ ثانيآ الحد من السرقات والجريمة المنظمة عبر تنشيط شبكات المخبرين بالترادف مع تحقيقات وتعقبات متوجبة الكفاءة لكشف المجرمين المرتكبين وغاياتهم ، وتوقيفهم ..!

تبقى بيروت دمعة عَلى خد الوطن الحزين ؛ أعياد آمنة لشعب لُبنان المعذب ..

————–

بيروت في 25.12.2020