أنقِذوا لبنان سريعاً قبل ان يختفي عن خريطة العالم

بقلم: البروفوسير إيلي الزير*

سقطت كل القوى والشخصيات والاحزاب التي تناوبت على الحكم في لبنان ، وسقطت معها كل الآليات والصيغ التي تحكم البلاد بموجبها منذ تأسيس الكيان وحتى اليوم، وبمعزل عن العصور الذهبية والماسية التي طبعت بعض العهود الغابرة نتيجة عوامل عدة ابرزها متعلق بالفكر اللبناني الخلاق والمبدع في شتى المجالات الذهنية، حيث كان سباقاً ورائداً في مجالات عديدة على مستويات الطب والتشريع والتعليم والنشر والترجمة والاعلام والصحافة والادب وسوى ذلك مما صارت أعمالاً سهلة ورائجة لدى معظم شعوب المنطقة ، وهو ما أسهم في ضمور التمايز اللبناني الذي لطالماشكل علامة فارقة في المنطقة على مدى عقود من الزمن وكان رافداً مهنياً في الاعمال القيادية على معظم المستويات.

والقراءة المعمقة في مشهدية التمايز اللبناني ستعكس بلا ريب حقائق راسخة وحتمية تؤكد على ان تجارب الصيغ اللبنانية على مستوى قيادة البلاد، ولا سيما تجارب التحاصص السياسي والوظيفي والامني وسوى ذلك من تقاسم لمغانم السلطة لم يرقى يوماً حتى الى مستوى مجاراة أي صيغة حكم سيئة في بلاد متعثرة، بل كان دائماً ، ولا يزال هوالأسوأ دائما، نظراً لما ينطوي عليه ضمناً من تقاسم لمغانم السلطة وثرواتها وخيراتها ومردوداتها المالية والسلطوية وسواها، ولذلك بقيت الصيغة بكل مفاهيمها، مع كل الحكام المتعاقبين والرؤساء والوزراء والنواب والمدراء والمسؤولين من كافة الرتب توازي عقلية ادارة الشركة الخاصة او المزرعة كما يحكى، ولم تبارح يوماً هذه المفاهيم حتى تداعت وسقطت أخيراً فوق رؤوس الجميع، وكان الدوي مؤلماً لابناء الشعب اللبناني الاصيل الذين هاجر معظمهم الى بلاد الانتشار والبعض الاخر ينتظر دوره وحجز مقعده على لوائح الهجرات المتعددة الوجوه، والتي كان أسوأ صورها ما بتنا نشهده بشكل شبه يومي في البحر من سفن  صغيرة مخصصة للصيد تستقلها أعداد كبيرة من ممن يعتزمون الهجرة غيرالشرعية هرباً من جحيم الجوع والاوجاع والفاقة والافتقار الى كل شيء من أساسيات الحياة في بلد تتلاشى فيه أدنى مقومات العيش يوما بعد آخر.

إذن، وبعد سقوط كل صيغ الحكم المجربة في لبنان،  كل ما وصلنا إليه، وبعد هذا السقوط المدوي لكل المنظومات، بات على كل عاقل من محبي وطنهم لبنان ان يفكروا جدياً باجتراح صيغ جديدة وحلول اخرى من شأنها ان تشكل دعائم ورافعة لإقامة الوطن من تحت الركام والبناء من جديد، على قواعد أخرى مختلفة وبعيدة عن السائد والمجرب تقوم علىالمواطنة أولاً والنجاح والكفاءة ونظافة الكف، والتفكير بإقرار آليات فيها من الشفافية في ممارسة الشأن العام ما يكفيلأن يشكل معالم في الاخلاق والقيم ، وفيه من الحزم ما يبعد آلياً كل ضعفاء النفوس عن مواقع المال العام  والوظيفة العامة والقرار العام تلقائياً، ويلفظ كل مشبوه ومرتكب الى قاعات المحاكمة، ويرذله اجتماعياً مع كل من يتوسط له، وبعيدا من كل انتماءاته الدينية والمذهبية والسياسية. كما نحتاج الى حزم نظيف في وضع الاسس الحقيقية لصيغة حكم جديدة مختلفة عن كل الصيغ السابقة باعتبارها صيغاً مجربة وفاشلة .

بهذا المدماك الاول نستطيع ان نشرع في بناء الوطن من جديد لنترك لأولادنا واحفادنا بلداً وهوية، وكل ما دون ذلك محاولات للترقيع والتدبيج واللفلفة والتسكين الموضعي، هي خطوات في فراغ قاتل واستنزاف للوقت وللمزيد من الارواح والعقول، وهذا ما تنتظره الكثير من دوائر القرار المتربصة شراً بالوطن الصغير وتعمل لبلوغه ليل نهار.

انقذوا لبنان سريعاً قبل ان يختفي الكيان عن خريطة العالم.  

——————————

*بروفيسور أخصائي في السمعيات، وكاتب سياسي.