أبراج المراقبة اللبنانية – البريطانية: أداة أمنية أم ورقة سياسية..؟
بقلم العميد منذر الايوبي*
أ- مقدمة:
شهدت الحدود اللبنانية الشرقية مع الجمهورية العربية السورية في مطلع العقد الماضي مشروعًا أمنيًا بقيادة المملكة المتحدة وبدعم الولايات المتحدة، تمثل في إنشاء شبكة مراقبة حدودية متقدمة تضم ما يقارب 76 برج مراقبة، بهدف تعزيز سيطرة الجيش اللبناني على حدوده وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل توسع انتشار وعمليات تنظيم داعش الارهابي والنشاطات غير المشروعة. في ضوء هذه التجربة، طرحت في بداية عام 2025 مبادرة لإنشاء أبراج مراقبة مماثلة على الحدود الجنوبية مع دولة إسرائيل، وذلك في سياق دعم القوات المسلحة اللبنانية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. مما يستدعي دراسة متأنية لإمكانيات التطبيق، والالتزامات الدولية، والتحديات السياسية والأمنية ذات الصلة.
ب- المشروع البريطاني على الحدود الشرقية:
تم تخصيص ميزانية من قبل الحكومة البريطانية، قدرت بعشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية، لبناء شبكة المراقبة الميدانية ومراكز التشغيل والوحدات الداعمة، إذ شُيدت الأبراج من حاويات شحن محمية بحواجز Hesco، مجهزة بأنظمة مراقبة متطورة تشمل كاميرات ليلية ونهارية، حساسات حركة، تقنيات مراقبة حرارية، واتصالات مشفرة متصلة بغرف عمليات تابعة للجيش اللبناني. وقد أسهم هذا النظام في تعزيز مراقبة الحدود اللبنانية – السورية ومنع التهريب والتسلل غير المشروع. إلا أن الحكومة السورية أبدت اعتراضًا رسميًا خلال العام 2024، معتبرة هذه الأبراج أدوات تجسس تمثل تهديدًا لإحتمالية ارتباطها بالبعثة البريطانية بشكل مباشر. بدوره، أكد الجيش اللبناني أن الأبراج ملكٌ حصري للجيش وتعمل تحت إدارته، وأنها موجهة لتعزيز الأمن ومنع التهريب دون أي تبادل معلومات مع جهات خارجية.
ج- إمكانية إقامة أبراج مراقبة على الحدود الجنوبية وإطار القرار 1701:
صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 في آب 2006، بعد انتهاء حرب تموز، بهدف إنهاء الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، وتثبيت وقف إطلاق النار، ونشر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) لتعزيز الأمن على الحدود الجنوبية. ينص القرار على ضرورة نزع سلاح جميع الميليشيات في جنوب لبنان، مع التأكيد على بسط سيادة الحكومة اللبنانية على كامل أراضيها، بما في ذلك الحدود الجنوبية. كما دور اليونيفيل في مراقبة وقف إطلاق النار ودعم ومساعدة الجيش اللبناني؛ كذلك ضرورة تنسيق الإجراءات الأمنية بما لا يزعزع الاستقرار في المنطقة.
يستنتج مما تقدم غياب نص صريح في القرار الأممي حول اقامة شبكة أبراج مراقبة على الحدود الجنوبية، لكنه يضع إطارًا عامًا لفرض السيادة اللبنانية ومراقبة وقف إطلاق النار.
د- التحديات السياسية والأمنية والتقنية:
1- ان تعقيدات الوضع الأمني والسياسي يوجب إشرافآ دوليآ واضحآ على تنفيذ أبراج المراقبة، ويفضل دمجها ضمن عمل (اليونيفيل) لتوفير شفافية متبادلة وضمان عدم تصعيد التوترات. مع الإشارة إلى اقدام جيش العدو على تدمير تلك التابعة لقوات الطوارئ الدولية أثناء العدوان. كما ان التنسيق الكامل يشكل ضمانآ للإلتزام وقدرآ من الإنسجام مع القرار الأممي 1701، لجهة فرض سيادة الدولة.
2- تنظر إسرائيل بعين الريبة إلى أي بنية مراقبة ثابتة على الحدود وإن كانت تحت إدارة الجيش اللبناني، إذ ترى في ذلك تهديدًا محتملاً اقله جمع المعلومات الاستخباراتية عن مواقعها وتحركات جيشها. كما قد تطلب وفقًا لمعايير الأمن الصارمة، اعتماد أنظمة تشفير مغلقة لا يمكن تعديلها محليًا، ونظم إيقاف فوري (خط أمان) عند استخدام غير مصرح به، بالإضافة إلى تحديد دقيق لمواقع الأبراج واتجاهات المراقبة.
3- رغم قرار الحكومة اللبنانية تكليف قيادة الجيش اللبناني وضع خطة شاملة لحصرية السلاح مع مهل زمنية، لا يزال سلاح حزب الله وهو الاساس موضع خلاف داخلي ونزاع إقليمي، ما قد يعرقل تنفيذ مشروع مراقبة حدودية متطورة دون تفاهمات واضحة على ضبط السلاح ومراقبة الحدود.
هـ- تأثير مشروع أبراج المراقبة البريطانية على العلاقات الإقليمية ودور القوى الدولية في لبنان:
يمثل المشروع نقطة تقاطع بين الأبعاد الأمنية والسياسية الإقليمية والدولية، ويحمل في طياته انعكاسات ملموسة على العلاقات بين الأطراف الفاعلة في المنطقة ودور القوى الكبرى وفقا لما يلي:
١- على صعيد توازن القوى الداخلي والإقليمي: يعزز المشروع قدرة الجيش اللبناني على فرض سيادته على الحدود، مما قد يؤثر على موازين القوى، خصوصًا مع حزب الله وقد يرفع منسوب الخلاف مع طهران.
٢- على مستوى العلاقات مع سوريا: الموقف السوري الرسمي المعارض للأبراج على الحدود الشرقية يعكس حساسية المشروع، وقد يؤدي استمراره إلى تفاقم التوتر خصوصًا في ظل التداخل الأمني والسياسي بين البلدين..
٣- فيما خص منظمة الأمم المتحدة: تلعب اليونيفيل دورًا محوريًا في مراقبة وقف إطلاق النار على الحدود الجنوبية، ومن ثم فإن أي مشروع مراقبة يحتاج إلى دمجه ضمن آليات عملها مع ضمانات أمنية وتقنية واضحة، لتفادي تصعيد التوترات والحفاظ على الاستقرار. إضافة إلى تنسيقً دولي دقيق لضمان توافق الأطراف وعدم استخدام الأبراج وسيلة او حجةً لإثارة النزاعات.
خلال زيارته بيروت الرابع من تموز الماضي إقترح وعرض وزير الخارجية البريطاني دافيد لامي إنشاء أبراج المراقبة جنوبآ كما تلك التي أقيمت على الحدود الشرقية، بعد ان اكد دعم المملكة المتحدة استقرار لبنان، ليكون رد الحكومة اللبنانية على العرض متضمنآ شروطًا، أبرزها: تثبيت وقف إطلاق النار ووقف الخروقات، الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي اللبنانية والتلال الخمس، التزام الحدود الدولية وفق اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949.
خاتمة: إن تجربة أبراج المراقبة على الحدود الشرقية أثبتت فعاليتها في تعزيز الأمن وضبط الحدود، غير أن نقل هذه التجربة إلى الجنوب يظل رهينًا بواقع سياسي وأمني أكثر تعقيدًا، تحكمه اعتبارات القرار 1701، وموازين القوى الداخلية، وحساسية الصراع مع إسرائيل. إن نجاح أي مشروع مماثل جنوبًا يتطلب توافقًا داخليًا واضحًا، وإشرافًا دوليًا محايدًا، وضمانات تقنية صارمة تحظى بثقة جميع الأطراف، مع مراعاة الهواجس الأمنية المطروحة. وبذلك، فإن مستقبل هذه المبادرة سيعتمد على قدرة الأطراف المعنية على تحويلها من مشروع أمني محفوف بالتحديات إلى خطوة عملية نحو تعزيز الاستقرار وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل حدودها.
*عميد متقاعد؛ مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية.