غزة؛ دموع بلا خطايا…

بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*

يوآف غالانت وزير دفاع حكومة العدو الاسرائيلي خلال مؤتمر صحفي عقد في تل ابيب نطق كفرآ: “ان امام حركة حماس خيارين الموت أو الاستسلام من دون شروط، ليس هناك خيار ثالث”..!
وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو يصرخ يأسآ: “إن أحد خيارات إسرائيل في الحرب على حماس هو “إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة الفلسطيني”.. الى كثرة من تصريحات وتعليقات ليس اقلها وصف مقاتلي حركة المقاومة الاسلامية بالحيوانات البشرية..!
عينة من مُعلن والمُضمر ادهى واعظم.. هؤلاء في مجموع قياداتهم والاركان نمذجوا الجريمة Crime Modeling شحذ عقول تبحرآ في شرور الفكر ممارسة “فَرية طقوس القتل” اي فرية الدم Blood libel اذ احتاج اليهود دماء بشرية لصنع خبز المصة Matzah (خالٍ من الخميرة) احد رموز عيد الفصح اليهودي حيث تُصلب الاطفال اضحية بشرية دماءهم مفضلة مرغوبة بوجه مخصوص، على ما يروى في سرديات القصص المقدسة من الميثولوجيا اليهودية ..!

على اعتاب غزة يتنسم نتنياهو رائحة الرضا بسفك الدماء، فيما شرعة حقوق الانسان معلقة على مشجب اللا قيمة في قاعة مجلس الامن الدولي، عجز اقرار وقف لاطلاق النار او اعلان هدنة انسانية ولو بالساعات..!
واذ توافد الجمع وتنادى لعدم توسع الحرب الى المدى الاقليمي، إلا ان عراضة الاساطيل وتعدد جنسياتها كما نوعية اسلحتها الضاربة لا يمكن اعتباره حال نزهة او زيارة طمأنة وضمان وجود لاهل الولاية الاميركية رقم 51 فقط..!

بات من البينات أن وراء ركام غزة ما وراءها، كارثية مخطط شيطاني إسرائيلي بالرضا الاميركي المعيوب قد حانت فرصته، ما يحصل من جموح تدمير وقسر تهجير يسقط الريبة واللايقين. رسوم الخرائط والخطوط الجيوديسية geodesic «الخط المستقيم ضمن الفضاءات المنحنية» التي سربت عمدآ ثم نشرت علنآ على وسائل التواصل ومحطات التلفزة فحواها ابتلاع القطاع ارضآ وسلطةً ومستقبل.. ثم ان قناة بن غوريون البحرية المزمع انشاؤها بموازاة قناة السويس ترسم وضعآ جيوسياسي واقتصادي يفرض امرآ واقعآ مستجدآ في درجته ألدُنيا مساس بالامن القومي المصري والعربي، دون اي اعتبار لاتفاقيات السلام الموقعة سيما مع مصر والاردن، ما يجعل حل الدولتين شعارآ سراب..!
في السياق، احتماليات الحرب الاقليمية في تنامٍ وغبارها يعلو شيئآ فشيئًا، بنك الاهداف منجز وعامل الوقت ضمن السيطرة حافز التزام، طالما مراسي الاسطول الاميركي لا تزال في المتوسط الشرقي ولهيب ارض غزة مشتعل.. بالتالي فإن “استراتيجية الالهاء” Distraction strategy القائمة على محدودية مناوشات واشتباكات بالنيران على عدة جبهات ضمن هوامش زمنية ومكانية محددة بالتوازي مع قدرة على تشتيت واستنزاف قوى العدو ستبقى مطبقة طالما آلة الحرب مستمرة قائمة والحلول مستبعدة..!

طروحات ما بعد حرب غزة لا تزال تخضع لتعنت وجبروت قادة الاحتلال، عروض تسلم السلطة الفلسطينية القطاع يصنف في خانة العلك السياسي. لا يمكن القفز فوق جثث الضحايا الشهداء كما تجاهل التداعيات المادية والنفسية على مواطني غزة وما ستفرزه الحرب من نتائج .. التسوية يصعب رسم اطارها حاليآ لعمق المأساة وفائض الدم المهدور امام فائض القتل والعدوان، هي تحتاج لتطلق ارادة دولية تلجم وحشية تترجم قرارآ أمميآ على نسق القرار 1701 برعاية مجلس الامن، قناعة عدو بحاجة لفيض تواضع مع قبول انهزام لتعذر انجاز ما اعلنه من اهداف استراتيجية بعيدآ عن اوهام انتصار عبثية من إجتثاث حماس الى تصفية المقاومة الاسلامية..!

بين الضفة وغزة رعونة وحقد رجل واحد تفلت من ضوابط القانون الدولي والاخلاقي، نفي مزدوج لحقيقة جذور القضية والتقصير الاستخباراتي الفاضح، حالة نرجسية مرضية مطلقة تخفي اضطرابآ في الشخصية، إسقاط او هروب الى الامام علة تفادي مقصلة رئيسة المحكمة العليا الإسرائيليّة القاضية إيستر حايوت..!
سخرية الاقدار ان المؤتمرات الدولية بدءآ من مستوى رؤساء الدول تترى، الاجتماعات الامنية والدبلوماسية تتوالى جميعها قاصرة يتيمة النتائج. اجتماعين لافتين يتقاطعان وان منفصلين فيهما تلمس معالم اتفاق هدف اطلاق سراح الرهائن والتوصل الى وقف اطلاق النار، الاول في الدوحة ضم رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية “سي.آي.آيه” وليام بيرنز ورئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” ديفيد بارنيا؛ الثاني في القاهرة بين قياديين من حماس خالد مشعل واسماعيل هنية مع اللواء عباس كامل مدير الاستخبارات المصرية..

ان كل هذا القتل لم يشفِ غليل “غوليم” Golem في ظل تجاهل مفاهيم المنطق العقلاني واسس العدالة الدولية لحل القضية الفلسطينية، كما رفض اخذ العبر التاريخية من مواجهات طواغيت الاحتلال، ما سيحتم اسنيلادآ انتقائيآ لجيل جديد من مقاومين اصطفوا بفعل ما حققوا من إنتصارات دفعآ نحو دولة فلسطينية مستقلة لم تعد بعيدة المنال..!
اخيرآ؛ مجد غزة يرتوي من دموع اطفالها، اطفال بلا خطايا على اجسادهم(ن) وشمت اسماءهم(ن) ملائكة حب وسلام ايقونة مبهرة لكل المقهورين في هذا العالم..!

طرابلس في 09.11.2023
*عميد متقاعد، كاتب وباحث