زياد الرحباني اختار الموت على العيش بين مخلوقات مسحوقة الكرامة

زياد الرحباني آثر الموت، وإقتحم عالم الخلود طائعاً، بعدما عاين بعينيه مشاهدات قهر العقل الانساني، وموت الكرامة البشرية، واغتيال النخوة، وتلاشي المروؤة، وغياب الاحاسيس.

لم يعد زياد راغباً في مواصلة العيش بين مخلوقات اممية، مسحوقة الكرامة، واختار الموت على الحياة، فبعد تفاقم حالته الصحية خلال الاونة الاخيرة، رفض المعالجة والعلاج لينهي على طريقته حياة حافلة بالصخب والمواقف المميزة عن عمر 69 عاماً، مختتماً مسيرة فنية حافلة، ترك خلالها بصمته العميقة في الموسيقى والمسرح والمواقف السياسية اللاذعة.

زياد هو نجل الفنان الراحل عاصي الرحباني، والفنانة نُهاد حدّاد (فيروز)  ويُعد أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر. بدأ مسيرته الفنية مطلع السبعينيات، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة “سهرية”، وكتب ولحن لاحقاً لوالدته فيروز العديد من الأعمال.

تميزت أعماله المسرحية بالكثير من النقد السياسي والاجتماعي المغلف بالسخرية والفكاهة.

ولم تُعرف بعد أسباب وفاته، لكن زياد الرحباني عانى خلال السنوات الأخيرة من وعكات صحية عدّة أثّرت على نشاطه الفني.

وُلد زياد الرحباني في الأول من كانون الثاني 1956، ونشأ في ظل أسرة فنية كانت لها بصماتها الواضحة، ليس فقط في لبنان، بل في العالم العربي أجمع. عُرف أبوه وعمّه، عاصي ومنصور الرحباني، بالأخوين الرحباني، واستطاعا رفقة الفنانة فيروز، زوجة عاصي، إحداث ثورة تجديدية في الغناء والتلحين والتأليف والمسرح.

كان لهذه النشأة أثرها الكبير على زياد، إذ بدت علامات اهتمامه بعالم الفن في سنّ مبكرة.

ولعلّ أبرز الأحداث التي ساهمت في انطلاقة مسيرة زياد، ما حدث عام 1973، حين كان زياد في عمر السابعة عشرة فقط، إذ أُصيب والده بوعكة صحية ألزمته المستشفى، وتزامن ذلك مع تحضير فيروز للعب الدور الرئيسي في مسرحية “المحطة”، فاستلهم منصور الرحباني من ذلك الموقف كلمات أغنية: “سألوني الناس”، التي تعبّر فيها فيروز عن افتقادها لزوجها المريض، وقدّم زياد في تلك الأغنية لحنه الأول لوالدته، لتكون تلك باكورة أغاني كثيرة لحنّها زياد، وأدتها فيروز، كان من أشهرها: “أنا عندي حنين”، “حبيتك تَنسيت النوم”، ” سلملي عليه”، “وحدُن”.

ولم يقتصر دوره على التلحين، إذ كتب الكثير من الأغاني التي أدتها والدته، نذكر منها: “عودك رنان”، ” صباح ومسا”، “تنذكر ما تنعاد”، ” البوسطة”.

تزوّج الرحباني من دلال كرم ولهما ولد، لكنّ زواجهما لم يدم. وجمعته قصة حب طويلة مع الفنانة اللبنانية كارمن لبس استمرت 15 عاماً، وانتهت بالفراق.

ولعل شهرة زياد تعدّت ارتباطه بأعمال فيروز، إذ أدّى الكثير من الأغاني بصوته، وكان بعضها علامة فارقة رددها الكثيرون على مرّ الأجيال، نذكر منها:

“بلا ولا شي”، “عايشة وحدا بلاك”، “أنا مش كافر”.

وبالعودة إلى مسرحية “المحطة” التي مثّلت أيضاً ظهوره الأول على الخشبة بدور الشرطي، والدور ذاته لعبه أيضاً في مسرحية “ميس الريم”، وهي المسرحية التي لحّن مقدمتها.

واتجه زياد نحو كتابة وإخراج مسرحياته الخاصة به، والتي حملت بصمته المميزة وتضمنت آراءه السياسية والاجتماعية التي لم تخلُ من السخرية ونقد الواقع، ومن مسرحياته: “سهرية”، “نزل السرور”، “بالنسبة لبكرا شو”، “شيء فاشل”، “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”.

وفي العام 1980، حصدت مسرحية “فيلم أمريكي طويل” التي كانت وقائعها تجري في مستشفى للأمراض النفسية نجاحاً منقطع النظير، وقد اختصر فيها مشاكل المجتمع اللبناني وطوائفه التي كانت تغذّي آنذاك نار الحرب الأهلية.

 

شارك زياد في تقديم برامج إذاعية عدة، تزامنت مع أحداث كبيرة عصفت بلبنان، أبرزها الحرب الأهلية بين سنوات 1975 و 1990، وعبّر خلالها عن مواقفه السياسية من الأحداث المتسارعة، مثل برنامج ” بعدنا طيبين… قول الله”، و”نص الألف خمسمية”، و”العقل زينة”، و”الإعلان رقم 1، 2، 3، 4″ الذي أعقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

وتخللت أحاديثه تعليقات ساخرة، وعبارات بارزة اقتبسها كثيرون فيما بعد لوصف المشهد السياسي في العديد من البلدان العربية.

شارك زياد في أدوار سينمائية صغيرة، مثل دوره في الفيلم اللبناني “طيّارة من ورق”، والفيلم الجزائري “نهلة” نهاية السبعينات، وفي كلا الفيلمين، كان هو المؤلف للموسيقا التصويرية، وهو جانب آخر من جوانب إبداعه الفني.

كتب زياد كذلك سلسلة طويلة من المقالات الصحفية في عدة صحف ،

 زياد الرحباني، كان صاحب أفكار سياسية يسارية متمردة، كما كان عازفاً موسيقياً، لا سيما على البيانو، وتنوعت أعماله الموسيقية بين الجاز والشرقي.