العينُ بالعينِ …!
بقلم العميد منذر الايوبي*
بدأت القصة يوم الثلاثاء 8 أيار 2018 عندما أعلن الرئيس الاميركي الجمهوري دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي JCPOA مع إيران “الكارثي – بنظره” المُوَقَع عام 2015 و بالتالي إعادة العمل بنظام العقوبات الذي كان مفروضآ عليها و من ثم تشديدها مهددآ طهران “بمشاكل كبيرة” في حال مواصلتها أنشطتها النووية مبديآ في نفس الوقت استعداده للتفاوض توصلآ لإتفاق جديد ..
في غضون ذلك و على مدى سنة تقريبآ لم تنجح محاولات مسؤولي و مستشاري الادارة الاميركية إقناع الرئيس ترامب بالعدول عن قراره ،، في حين أتت ردة فعله معاكسة تمامآ حيث عمد الى إقالة العديد منهم و من ابرزهم آنذاك وزير الخارجية ريكس تيلرسون Rex Tillerson و مستشار الامن القومي هيربرت ريموند ماكماستر H.R McMaster كما لم يُثنِه ايضآ معارضة و رفض ألشركاء ألأطراف الموقعين على الاتفاق “دول 5+1 – روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، ألمانيا” مما أضفى مزيدآ من العزلة السياسية في علاقته مع الحلفاء ألأوروبيين ..
من جهة أخرى كان جَليَآ ان القرار الرئاسي الاميركي يفتقر الى الرؤية الاستراتيجية إن لم نقل إعتباطيآ
و بدا أنه ليس اكثر من التزام بوعود الرئيس ترامب الانتخابية في سياق مزايدة مكشوفة أيضآ على سَلَفِه الرئيس الاميركي ألديمقراطي باراك اوباما و وزير خارجيته جون كيري و اركان ادارته ..
في نفس السياق وصل تشديد العقوبات على ايران الى مداه الأقصى أما الحصار المالي و الاقتصادي فلم تشهده دولة في العالم من قبل ، في حين ان الأقسى هو محاولة تَصفير صادرات النفط الايراني
و هذا الامر دونه مخاطر كبرى ليس اقلها ما حصل و يحصل حاليآ من حوادث تفجير و تحركات عسكرية تستهدف سفنآ في مياه الخليج ، كذلك رفع المستوى النوعي “صاروخ كروز” و الكَمي من القصف الحوثي الصاروخي على العمق السعودي ..
بالتزامن بدأت تعزيزات عسكرية غربية بالوصول الى قواعدها في الخليج لاحت طلائعها صباح اليوم مع تسريب خبر إرسال قوة خاصة بريطانية من قاعدة “بليموث” Plymouth – HMNB Devonport إلى البحرين في مهمة مواكبة و حراسة السفن العابرة مضيق هرمز ، الامر الذي يعني ان كرة الثلج بدأت بالتدحرج إذ لم تَعُد الوضعية الإقليمية هي اللعب على حافة الهاوية بل أصبحت في مرحلة من يضغط على الزناد اولآ ..
ألكُل في ألمأزق وفق درجة تورطه ، بات الجدار الآن منتصبآ بوجه الجميع :
- الرئيس الاميركي رغم إحراجه من بعض صقور ادارته كل من مستشاره لشؤون الامن القومي جون بولتون و وزير الخارجية مايك بومبيو لا يزال صامدآ “حتى ألآن” و مُصرآ على معادلته “لا حرب – نعم عقوبات”..
- ألأوروبيون لا يستطيعون مناقضة أنفسهم بأنفسهم فهم لن ينسحبوا من الاتفاق النووي الايراني ، لا بل انهم متمسكين به و في نفس الوقت يخشون تفاقم الصراع وصولآ إلى حرب لن يستطيعوا مجانبتها ..
- العدو الاسرائيلي راغب في زج الولايات المتحدة في حرب ضارية مع ايران شبيهة بحرب العراق مفترضآ انها الفرصة المناسبة للانقضاض على حزب الله و إنهاء معادلة الردع المتبادل على الحدود الشمالية ..
- بعض الدول العربية و الخليجية على استعداد لرؤية مصافيها و آبارها البترولية تحترق إذ ان “كل شيء قابل للإصلاح” و ذلك في حال أدت الحرب الى نتيجة حتمية هي إعادة ايران مئة سنة الى الوراء ..
- روسيا ، يرى الكرملين ان ألديبلوماسية هي الحل معتبرآ ان الجلوس الى طاولة مفاوضات ثُلاثيَةَ الأبعاد على نسق “واشنطن- طهران- طوكيو أو غيرها” أمرَآ لا بد منه يستوجب بداية خفض العقوبات عن ايران الى الحد الذي كانت عليه قبل توقيع اتفاق “لوزان” Lausanne كبادرة حسن نية . على هذا الأساس يحاول الرئيس بوتين تهدئة الأمور مرحليآ على الأقل لحين انعقاد قمة مجموعة العشرين G20 يومي 28 و 29 الشهر الحالي في مدينة “أوساكا” اليابانية Osaka حيث من المرجح ان يلتقي خلالها و على هامشها الرئيس ترامب ..
- الصين “العظمى” او هي في طريقها الى هذا اللقب ، تعالج حاليآ حربها التكنولوجية و التجارية مع الولايات المتحدة ، لكن عينها في نفس الوقت على ايران فألأخيرة بنفطها و غازها و موقعها الاستراتيجي حاجة لها في مشاريعها العابرة للقارات مستقبلآ ك “طريق الحرير” على سبيل المثال و هي تاليَآ منسجمة أو متطابقة في رؤيتها هذه مع موسكو ..
توازيآ ، و دون الاستفاضة في تعداد و تقييم المصالح ألجيوسياسية لباقي الدول و الأحلاف يُطرح السؤال ، كيف ألسبيل لإكتناف الجدار الذي بناه الرئيس الاميركي حجرآ حجرآ منذ بداية ولايته في
شبه هروب الى الامام سواء قصدآ او عن غير قصد مع حفظ ماء وجه الفريقين الاميركي و الايراني .؟؟
في المبدأ ليس هنالك من خطة بديلة تتضمنها اجندة الرئيس الاميركي الشخصية ، لكنه بدأ يقتنع
ان “ليس كل ما يتمنى المرء يدركه و لا كل أمر مطاع” سياسة العقاب حتى الرضوخ لم تعد “دارجة”
في العصر الحاضر و ما يقاس على دولة في قضية ما ليس بالضرورة ان ينطبق على اخرى ، إذ أن إستراتيجيات الدول في لعبة الامم و مصالحها البراغماتية اكبر من ان تفرضها دولة وحيدة و لو كانت “واشنطن” إفتراضآ هي مركز الكَوكَب ..
من هذا المنطلق سيتاح للأمم المتحدة ان تلعب دورآ هامآ في هذه القضية إذ ستكون المفاوضات “فيما لو حصلت” عبرها و بواسطتها و ربما جاءت دعوة الرئيس الاميركي ترامب مجلس الامن الدولي الى الانعقاد في جلسة مغلقة اثر التصعيد الأخير ضمن هذا التوجه و ذلك بألرغم من عدم صدور قرارات محددة حسبما صرح الرئيس الدوري للمجلس السفير الكويتي منصور العتيبي للصحفيين يوم الخميس الماضي ..
الأمور طبعآ ليست بهذه البساطة .! و التعقيدات اكبر من ان تحصى لكن خفض التصعيد هو صافرة البداية ، إذ ان الدفع باتجاه طاولة المفاوضات تعني أحد أمرين أما ربح الخصمين بالتساوي فتكون عندها لتقاسم الأرباح أو خسارة الفريقين بمعنى “ألعين بألعين” مما يستتبع جكمآ فرضية ألتعادل دون أهداف ، لكن في هذه الحال المعضلة ، هل تستطيع العين الإيرانية مواجهة المخرز الاميركي .؟؟
*عميد متقاعد.
بيروت في 16.06.2019