التوغل البري واستراتيجية وحدة الساحات..!

 

 

بقلم العميد مُنذِر الايوبي*

ثلاثة اسابيع ونيف مرت على الطوفان وما زال السيل جارف، مجتمع المستوطنين يسوده ادب الديستوبيا Dystopia “المدينة الفاسدة” يحكمه رعب دائم قضى على العاطفة في حياة أفراده، متجرد من انسانية، عالم من مسوخ يحكمه شر مطلق والخير مفقود…!

إن استعاد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بعض صواب في خروج نسبي من صدمة السابع من تشرين، الا ان المفاجأة الغير محسوبة عسكريا واستخباراتيآ ستبقى جرحآ غائرآ دائمآ وامثولة في هيكل جيش دُمِرت بالمطلق معنوياته القائمة اصلآ على وهم كثافة العديد كما الفرادة او التميز في حيازة الاسلحة النوعية المتطورة..
هسيس انفاس جنرالاته كصوت اخفاف الإبل دفع احمق لاعتماد استراتيجية التدمير والارض المحروقة في رد مخز ملطخ بدماء الابرياء مذبحة تلو اخرى على مرأى العالم، دون وازع اخلاقي او سياسي ديبلوماسي على الاقل.. وإذ ادبر ليل غزة على عزم المقاومين، تنافسوا في خط لائحة الاهداف الضامنة عَلَّ تحقيق بعضها يضمن مستقبلآ هروبآ من مساءلة شعب وتملص من قضاء، بدءآ بمحو “حماس” وطحن رجالها ثم احتلال القطاع بعد تهجير، مع اعتماد وقت مفتوح دون تحديد طول امد المعركة. لكن ايآ منها صعب التحقق كبير الثمن عظيم الالم، سيما في ظل جهل معنى التضحية وتخبط متكرر معناد لفهم ماهية الارادة، ما سيزيد من سلبية سخط المستوطنين إفتقادآ لامنهم، قلق على اسراهم واكتئابآ بعد هزيمة ..!
ثم ان الحقد والكراهية من اسباب عمى البصيرة وحجب مكانة المنطق العقلي وجوهره، حض وإصرار شيطاني يتملك الحريديم “اليهود الانعزاليين المتدينين” وجماعات الهيكل المتطرفة على تنفيذ ابادة جماعية بحق اهل غزة وهو من صنف تجاوز المستحيل، ما يؤكد شططآ متحجرآ يراكم افكارآ مسمومة في قشرة الفص الجبهي Prefrontal Cortex لكل من اعضاء هيئة الحرب المصغرة حد ثبوت اصابتهم بالصرع الدائم..!

وإذ قرر اركان جيش العدو بعد تلجلج الانتقال الى المرحلة الثالثة من المواجهة عبر التوغل البري الشامل، فقد فاتهم ان الارض تَوَعَرَت بعد ان سُمِدت باجساد الشهداء النضرة.. ثم تبدى بعد ضياع انتظار ان جنوده إستوحشوا عبور الركام في ظلام الردى لحظ تردد في تقدم او تحير لانسحاب، فلجأ الى زيادة عديد القوى والالوية المدرعة المدعومة بالطيران اضعافآ عَلَّ استئناسآ يُستشعر يخفف من تكاسلٍ جندٍ وغلواء خوف اليم..!

في السياق المؤكد ان اطلاق جنرالات الاحتلال عملية اجتياح ارض غزة امر مكلف لا مناص منه او مفر، لذا غُلِف بتسويق وترويجٍ عبر إيغال في تصنيف قوة الصدمة للكتلة المهاجمة، بما يضمن رفع المعنويات وهم سهولة في تفتيت الدفاعات وتشتيت جهود المقاومين، قد فاتهم ايضآ ان هؤلاء ورثة ولدوا من لدن اكفان من استشهدوا مدى 75 عامآ من عمر الاحتلال؛ جيل ايتام دون منازل سكنوا انفاقآ حفرت باسنانهم والاظافر، جانبت مقابر اهلهم ثم قرأوا من آيات الضرائح ما كسبت جيناتهم مذهبهم مقاومة وطائفتهم فلسطين؛ أنى لطائفة اليهود الصهاينة الفوز بهم او غلبة عليهم..!

سلطان الرأي قبل الشجاعة، في قصيد المتنبي أبيات وعِبر “الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني”.. استراتيجية وحدة الساحات لها قوة تفاعلية هائلة كانت على مدى تاريخ الامة العربية امنية غالية؛ لكنها مرهونة بالمكان والزمان حد تعداد الثواني للنجاح..
في حالنا اليوم دفع البلاء واجب وطني وإن الارواح في وحشة والقلوب على غزة.. التوغل في العقل فرض عين وكفاية على المقاومة، تأنٍ وحكمة تتقنها كرستها دماء الشهداء لهم الرحمة ولها الأجر وكبر الثواب..
ان نطق القادة فعن طول باعٍ وإن عملوا فمن يقين ثقة؛ على مقياس ما ترى الناس حد الافق لا اكثر ثقة ان سماحة السيد حسن نصرالله سيعمل بقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا..} حفظآ للبنان واهله .. وكفى بالآية الكريمة نبراسآ وهدى (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ))..!..

طرابلس في 02.11.2023
*عميد متقاعد، كاتب وباحث