البوم نذير شؤم في الأساطير الشعبية.. فماذا عنها في الآداب المختلفة

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

تعدُّ “البومة” مخلوقًا مثيرًا للكثير من أوجه التناقض في المأثور الشعبي. ففي حين كان اليونانيّون القدماء يصفونه بأنه مخلوق حكيم، ويقرنونه مع معبودتهم “أثينا” ربة الحكمة لديهم، ويعتبروه جالبا للحظ السعيد، نجد الكثير من العوامّ يصف البومة بأنه مخلوق شرير، يُثير نعيبه نذير الشؤم والخراب لمن يسمعه. ولذلك نجد الكثير من الناس يكرهون البوم حتى يومنا هذا، ويربطونه بسوء حظّهم. ومن ناحية أخرى يصف الكثير من الناس البوم بأنه مخلوق كسول يظلّ نائما مختفيا عن الأنظار طيلة النهار ولا يظهر إلا في الليل. بينما العلماء ينفون ذلك عن البوم ويصفونه بأنه مخلوق نشط للغاية في الليل، ويعمل على تطهير الحقول والمنازل من القوارض، ويعود عدم نشاطه نهارا لضعف حاسّة الإبصار لديه في الضوء الشديد.
رمز البوم في الأدب:
ربط الكثير من الفنانين والأدباء بين البومة وشبح الموت، فنجد دوما في القصائد واللوحات صورة لبومة تَنعق عند قبر ميِّت، بل تمَّ الربط بين البوم والمشعوذين كرفيق دائم في أوكارهم، حتى إننا نجد في الحكايات القديمة أن الساحرة الشريرة التي تركب العصا دوما يُصاحبها من الخلف، على عصاها، طائر البومة.
وتمَّ الرمز للبوم بظاهرة العناد حيث يوصف دوما صاحب الهوى الأعمى الذي لا يتمكَّن أيّ عقل راجح من إقناعه بعاقبة تصرّفاته بالبومة. وقد ظهر هذا الرمز في مطبوعة تبرز الزعيم الإنجليزي “أوليفر كرومويل” يطرد نواب مجلس الشعب الإنجليزي بعد أن يئس من إقناعهم بضرورة إصلاحاته لإنجلترا، وقد صوّر النواب المطرودين والرافضين نور التغيير وعلى رأس كل واحد منهم بومة رمزا للعناد والعمى المتصلّب.
البومة في الأدب العالمي:
ظهر البوم في النتاج الأدبي لكثير من قصص وقصائد الأدباء والشعراء وواضعي الأساطير ونجد أبرزهم “شكسبير” الذي يُكثر من الرمز إلى البومة في مسرحياته الشعرية. ففي مسرحية “ماكبث” يصف طائر البومة الزاعق بأنه “قارع الناقوس القاتل الذي يمنح الليلة السعيدة الكآبة الشديدة”، وفي مسرحية “هنري السادس” يصرخ الملك بصورة درامية قائلاً: “لقد زعقت البومة عند مولدك، وهي إشارة شريرة”.
وقد ظهر البوم في الكثير من حكايات “أيسوب” الحيوانية التي كُتبت في القرن السادس قبل الميلاد. فأول قصة بعنوان “طائر البومة والطيور” مُثِّلت البومة فيها بحكيم يحذِّر الطيور الأخرى من الأخطار المُحدِقة بها، غير أنها لم تكن تُبالي، ولكن عندما اهتمَّت الطيور بالأمر ذهبت للبومة وطلبت منها لآلئ الحكمة التي تمتلكها، غير أن البوم لاذت بالصمت والحزن، وأحجمت عن تقديم النّصح لهم مجدّدا.
وفي قصة “البومة والجندب” يبرز الجندب طائرا مزعجا لا يكفّ عن إزعاج البومة بغنائه وسقسقاته التي لا تنقطع وعندما يرفض الجندب طلبات البومة بالهدوء، تبرز حيلة البومة التي تمدح صوت الجندب وتدعوه لحفلة لسماع غنائه، وعندما ظهر الجندب التقطه طائر البومة وقام بصيده وأكله. والعبرة المُستفادة من القصة التي يضعها أيسوب تقول: “المديح من العدو لا يعني أنك صرت محبوبا”.
وفي قصص الشاعر الفرنسي “لافونتين” يبرز حكاية عن بومة تتّفق مع النسر على اتفاق شراكة بينهما، يوصي على عدم اعتداء أحدهما على فراخ الآخر. وتخبره البومة بأنه يمكنه التعرّف على أفراخها من جمالهنّ الباهر. وبطبيعة الحال عندما أبصر النسر فراخ البومة التهمها حيث ظنّ أن فراخا بهذا القبح لن تكون أولادا لصديقته البومة. أما العبرة من هذه القصة، فهي أن الأطفال يبدون جميلين دوما في عيون آبائهم ولكن ليس بالضرورة في عيون الآخرين.
البومة في الثقافة العربية:
رؤية العرب للبومة كانت مختلفة عن رؤية الغربيين لها. ويذكر شهاب الدين الأبشيهي في كتابه المستطرف في كل فن مستظرف ما يلي: “بومة : وكنيتها أم الخراب وأم الصبيان ومن طبعها أن تدخل على كل طير في وكره وتأكل أفراخه”. ونقل المسعودي عن الجاحظ أن “البومة لا تخرج بالنهار خوفاً من العين، لأنها تظن أنها حسناء وهي أصناف وكلها تحبّ الخلوة بنفسها.” وفي كليلة ودمنة التي ترجمها ابن المقفع إلى العربية نجد قصة عن نزاع دار بين البوم والغربان، و قد أظهرت القصة أن الغربان أكثر ذكاء من البوم، في حين تمّ وصف البوم على لسان الغراب بأنه: “أقبح الطير منظراً، وأسوؤها خلقاً، وأقلها عقلاً، وأشدها غضباً وأبعدها من كل رحمة، مع عماها وما بها من العشا بالنهار، وأشد من ذلك وأقبح أمورها سفهها وسوء أخلاقها.”
وبخلاف كل ما سبق تستعير غادة السمان لنفسها رمز البوم في ديوانها “الرقص مع البوم”. ونرى أن هذا الطائر يتطلع إلى الكون بعينيين واسعتين فاحصتين في نظرة مستقلة وثاقبة يرقب العالم من بعيد، وقد حكم عليه هذا العالم بالعزلة وكره منه أنه نعيبه المتواصل يُعري العيوب، ويفضح التزمت والجمود.

———-